١٧ - ﴿ فكان عاقبتهما أنهما في النار ﴾ قرأ الجمهور ﴿ عاقبتهما ﴾ بالنصب على أنه حبر كان واسمها أنهما في النار وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد بالرفع على أنها اسم كان والخبر ما بعده والمعنى فكان عاقبة الشيطان وذلك الإنسان الذي كفر أنهما صائران إلى النار ﴿ خالدين فيها ﴾ قرأ الجمهور ﴿ خالدين ﴾ بالنصب على الحال وقرأ ابن مسعود والأعمش وزيد بن علي وابن أبي عبلة خالدان على أنه خبر أن والظرف متعلق به ﴿ وذلك جزاء الظالمين ﴾ أي الخلود في النار جزاء الظالمين ويدخل هؤلاء فيهم دخولا أوليا
ثم رجع سبحانه إلى خطاب المؤمنين بالموعظة الحسنة فقال : ١٨ - ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ﴾ أي اتقوا عقابه بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه ﴿ ولتنظر نفس ما قدمت لغد ﴾ أي لتنظر أي شيء قدمت من الأعمال ليوم القيامة والعرب تكفي من المستقبل بالغد وقيل ذكر الغد تنبيها على قرب الساعة ﴿ واتقوا الله ﴾ كرر الأمر بالتقوى للتأكيد ﴿ إن الله خبير بما تعملون ﴾ لا تخفى عليه من ذكر خافية فهو مجازيكم بأعمالكم إن خيرا فخير وإن شرا فشر
١٩ - ﴿ ولا تكونوا كالذين نسوا الله ﴾ أي تركوا أمره أو ما قدروه حق قدره أو لم يخافوه أو جميع ذلك ﴿ فأنساهم أنفسهم ﴾ أي جعلهم ناسين لها بسبب نسيانهم له فلم يشتغلوا بالأعمال التي تنجيهم من العذاب ولم يكفوا عن المعاصي التي توقعهم فيه ففي الكلام مضاف محذوف : أي أنساهم حظوظ أنفسهم قال سفيان : نسوا حق الله فأنساهم حق أنفسهم وقيل نسوا الله في الرخاء فأنساهم أنفسهم في الشدائد ﴿ أولئك هم الفاسقون ﴾ أي الكاملون في الخروج عن طاعة الله
٢٠ - ﴿ لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ﴾ في الفضل والرتبة والمراد الفريقان على العموم فيدخل في فريق أهل النار من نسي الله منهم دخولا أوليا ويدخل في فريق أهل الجنة الذين اتقوا دخولا أوليا لأن السياق فيهم وقد تقدم الكلام في معنى مثل هذه الآية في سورة المائدة وفي سورة السجدة وفي سورة ص ثم أخبر سبحانه وتعالى عن أصحاب الجنة بعد نفي التساوي بينهم وبين أهل النار فقال :﴿ أصحاب الجنة هم الفائزون ﴾ أي الظافرون بكل مطلوب الناجون من كل مكروه
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ ألم تر إلى الذين نافقوا ﴾ قال : عبد الله بن أبي ابن سلول ورفاعة بن تابوت وعبد الله بن نبتل وأوس بن قيظي وإخوانهم بنو النضير وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل عنه أن رهطا من بني عوف بن الحارث منهم عبد الله بن أبي ابن سلول ووديعة بن مالك وسويد وداعس بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا فإننا لا نسلمكم وإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل إلا الحلقة ففعل فكان الرجل منهم يهدم بيته فيضعه على ظهر بعير فينطلق به فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام وأخرج ابن مردويه عنه أيضا في قوله :﴿ تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ﴾ قال : هم المشركون وأخرج عبد الرزاق وابن راهويه وأحمد في الزهد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن علي بن أبي طالب أن رجلا كان يتعبد في صومعة وأن امرأة كان لها إخوة فعرض لها شيء فأتوه بها فزينت له نفسه فرقع عليها فحملت فجاءه الشيطان فقال اقتلها فإنهم إن ظهروا عليك افتضحت فقتلها ودفنها فجاءوا فأخذوه فذهوبوا به فبينما هم يمشون إذ جاءه الشيطان فقال : إني أنا الذي زينت لك فاسجد لي سجدة أنجيك فسجد له فذلك قوله :﴿ كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر ﴾ الآية قلت : وهذا لا يدل على أن هذ الإنسان هو المقصود بالآية بل يدل على أنه من جملة من تصدق عليه وقد أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس بأطول من هذا وليس فيه ما يدل على أنه المقصود بالآية وأخرجه بنحوه ابن جرير عن ابن مسعود وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود في قوله :﴿ كمثل الشيطان ﴾ قال : ضرب الله مثل الكفار والمنافقين الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه و سلم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر


الصفحة التالية
Icon