٢ - ﴿ إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ﴾ أي إن يلقوكم ويصادوفكم يظهروا لكم ما في قلوبهم من العداوة ومنه المثاقفة وهي طلب مصادفة الغرة في المسابقة وقيل المعنى : إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم والمعنيان متقاربان ﴿ ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء ﴾ أي يبسطوا إليكم أيديهم بالضرب ونحوه وألسنتهم بالشتم ونحوه ﴿ وودوا لو تكفرون ﴾ هذا معطوف على جواب الشرط أو على جملة الشرط والجزاء ورجح هذا أبو حيان والمعنى : أنهم تمنوا ارتدادهم وودوا رجوعهم إلى الكفر
٣ - ﴿ لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم ﴾ أي لا تنفعكم القرابات على عمومها ولا الأولاد وخصهم بالذكر مع دخولهم في الأرحام لمزيد المحبة لهم والحنو عليهم والمعنى : أن هؤلاء لا ينفعونكم حتى توالوا الكفار لأجلهم كما وقع في قصة حاطب بن أبي بلتعة بل الذي ينفعكم هو ما أمركم الله به من معاداة الكفار وترك موالاتهم وجملة ﴿ يوم القيامة يفصل بينكم ﴾ مستأنفة لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد في ذلك اليوم ومعنى ﴿ يفصل بينكم ﴾ يفرق بينكم فيدخل أهل طاعته الجنة وأهل معصيته النار وقيل المراد بالفصل بينهم أنه يفر كل منهم من الآخر من شدة الهول كما في قوله :﴿ يوم يفر المرء من أخيه ﴾ الآية قيل ويجوز أن يتعلق يوم القيامة بما قبله : أي لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة فيوقف عليه ويبتدأ بقوله :﴿ يفصل بينكم ﴾ والأولى أن يتعلق بما بعده كما ذكرنا ﴿ والله بما تعملون بصير ﴾ لا يخفى عليه شيء من أقوالكم وأفعالكم فهو مجازيكم على ذلك قرأ الجمهور ﴿ يفصل ﴾ بضم الياء وتخفيف الفاء وفتح الصاد مبنيا للمفعول واختار هذه القراءة أبو عبيد وقرأ عاصم بفتح الياء وكسر الصاد مبنيا للفاعل وقرأ حمزة والكسائي بضم الياء وفتح الفاء وكسر الصاد مشددة وقرأ علقمة بالنون وقرأ قتادة وأبو حيوة بضم الياء وكسر الصاد مخففة
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن علي بن أبي طالب قال :[ بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا والزبير والمقداد فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فأتوني به فخرجنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب قالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي صلى الله عليه و سلم فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم : ما هذا يا حاطب ؟ قال : لا تعجل علي يا رسول الله إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اصطنع إليهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني فقال النبي صلى الله عليه و سلم : صدق فقال عمر : دعني أضرب عنقه فقال : إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ونزلت ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ﴾ ] وفي الباب أحاديث مسندة ومرسلة متضمنة لبيان هذه القصة وأن هذه الآيات إلى قوله :﴿ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم ﴾ نازلة في ذلك