ثم بين سبحانه من لا يحل بره ولا العدل في معاملته فقال : ٩ - ﴿ إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم ﴾ وهم صناديد الكفر من قريش ﴿ وظاهروا على إخراجكم ﴾ أي عاونوا الذين قاتلوكم على ذلك وهم سائر أهل مكة ومن دخل معهم في عهدهم وقوله :﴿ أن تولوهم ﴾ بدل اشتمال من الموصول كما سلف ﴿ ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ﴾ أي الكاملون في الظلم لأنهم تولوا من يستحق العداوة لكونه عدوا لله ولرسوله ولكتابه وجعلوهم أولياء لهم
وقد أخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس ﴿ إلا قول إبراهيم لأبيه ﴾ قال : نهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه وقوله :﴿ ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ﴾ لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولون لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم هذا وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه ﴿ لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة ﴾ قال : في صنيع إبراهيم كله إلا في الاستغفار لأبيه وهو مشرك وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله :﴿ لا تجعلنا فتنة للذين كفروا ﴾ قال : لا تسلطهم علينا فيفتنونا وأخرج ابن مردويه عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : أول من قاتل أهل الردة على إقامة دين الله أبو سفيان بن حرب وفيه نزلت هذه الآية :﴿ عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ﴾ وأخرج ابن أبي حاتم عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استعمل أبا سفيان بن حرب على بعض اليمن فلما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أقبل ذا الخمار مرتدا فكان أول من قاتل في الردة وجاهد عن الدين قال : وهو فيمن قال الله فيه :﴿ عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة ﴾ وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن عدي ابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في الآية قال : كانت المودة التي جعل بينهم تزويج النبي صلى الله عليه و سلم أم حبيبة بنت أبي سفيان فصارت أم المؤمنين : فصار معاوية خال المؤمنين وفي صحيح مسلم عن ابن عباس [ أن أبا سفيان قال : يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال : نعم قال : تؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال نعم قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك قال : نعم قال : وعندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها ] الحديث وأخرج الطيالسي وأحمد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه والحاكم وصححه وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال : قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا : ضباب وأقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخلها بيتها حتى أرسلت إلى عائشة أن سلي عن هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألته فأنزل الله :﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ﴾ الآية فأمرها أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها وزاد ابن أبي حاتم في المدة التي كانت بين قريش ورسول الله صلى الله عليه و سلم وفي البخاري وغيره عن أسماء بنت أبي بكر قالت :[ أتتني أمي راغبة وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فسألت النبي صلى الله عليه و سلم أأصلها ؟ فأنزل الله :﴿ لا ينهاكم الله ﴾ الآية فقال : نعم صلي أمك ]