قال القرطبي : وكان هذا مخصوصا بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة بإجماع المسلمين ﴿ وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار ﴾ لما نزلت الآية المتقدمة قال المسلمون : رضينا بحكم الله وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا فنزل قوله : ١١ - ﴿ وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار ﴾ مما دفعتم إليهم من مهور النساء المسلمات وقيل المعنى : وإن انفلت منكم أحد من نسائكم إلى الكفار بأن ارتدت المسلمة ﴿ فعاقبتم ﴾ قال الواحدي : قال المفسرون : فعاقبتم فغنمتم قال الزجاج : تأويله وكانت العقبى لكم : أي كانت الغنيمة لكم حتى غنمتم ﴿ فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ﴾ من مهر المهاجرة التي تزوجوها وادفعوه إلى الكفار ولا تؤتوه زوجها الكافر قال قتادة ومجاهد : إنما أمروا أن يعطوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفيء والغنيمة وهذه الآية منسوخة قد انقطع حكمها بعد الفتح وحاصل معناها أن من أزواجكم يجوز أن يتعلق بفاتكم أي من جهة أزواجكم ويراد بالشيء المهر الذي غرمه الزوج ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لشيء ثم يجوز في شيء أن يراد به المهر ولكن لا بد على هذا من مضاف محذوف : أي من مهر أزواجكم ليتطابق الموصوف وصفته ويجوز أن يراد بشيء النساء :
ي نوع وصنف منهن وهو ظاهر قوله :﴿ من أزواجكم ﴾ وقوله :﴿ فآتوا الذين ذهبت أزواجهم ﴾ والمعنى : أنهم يعطون من ذهبت زوجته إلى المشركين فكفرت ولم يرد عليه المشركون مهرها كما حكم الله مثل ذلك المهر الذي أنفقه عليها من الغنيمة ﴿ واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ﴾ أي احذروا أن تتعرضوا لشيء مما يوجب العقوبة عليكم فإن الإيمان الذي أنتم متصفون به يوجب على صاحبه ذلك
١٢ - ﴿ يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك ﴾ أي قاصدات لمبايعتك على الإسلام و ﴿ على أن لا يشركن بالله شيئا ﴾ من الأشياء كائنا ما كان هذا كان يوم فتح مكة فإن نساء أهل مكة آتين رسول الله صلى الله عليه و سلم يبايعنه فأمره الله أن يأخذ عليهن أن لا يشركن ﴿ ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ﴾ وهو ما كانت تفعله الجاهلية من وأد البنات ﴿ ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ﴾ أي لا يلحقن بأزواجهم ولدا ليس منهم قال الفراء : كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها : هذا ولدي منك فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها وليس المراد هنا أنها تنسب ولدها من الزنا إلى زوجها لأن ذلك قد دخل تحت النهي عن الزنا ﴿ ولا يعصينك في معروف ﴾ أي في كل أمر هو طاعة لله قال عطاء : في كل بر وتقوى وقال المقاتلان : عنى بالمعروف النهي عن النوح وتمزيق الثياب وجز الشعر وشق الجيب وخمش الوجوه والدعاء بالويل وكذا قال قتادة وسعيد بن المسيب ومحمد بن السائب وزيد بن أسلم ومعنى القرآن أوسمع مما قالوه قيل ووجه التقييد بالمعروف مع كونه صلى الله عليه و سلم لا يأمر إلا به التنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق ﴿ فبايعهن ﴾ هذا جواب إذا والمعنى إذا بايعنك على هذه الأمور فبايعهن ولم يذكر في بيعتهن الصلاة والزكاة والصيام والحج لوضوح كون هذه الأمور ونحوها من أركان الدين وشعائر الإسلام وإنما خص الأمور المذكور لكثرة وقوعها من النساء ﴿ واستغفر لهن الله ﴾ أي اطلب من الله المغفرة لهن بعد هذه المبايعة لهن منك ﴿ إن الله غفور رحيم ﴾ أي بليغ المغفرة والرحمة لعباده


الصفحة التالية
Icon