١٢ - ﴿ يغفر لكم ذنوبكم ﴾ هذا جواب الأمر المدلول عليه بلفظ الخبر ولهذا جزم قال الزجاج والمبرد : قوله تؤمنون معنى آمنوا ولذلك جاء يغفر لكم مجزوما وقال الفراء : يغفر لكم جواب الاستفهام فجعله مجزوما لكونه جواب الاستفهام وقد غلطه أهل العلم قال الزجاج : ليسوا إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا وقال الرازي في توجيه قول الفراء : إن هل أدلكم في معنى الأمر عنده يقال هل أنت ساكت : أي اسكت وبيانه أن هل بمعنى الاستفهام ثم يتدرج إلى أن يصير عرضا وحثا والحث كالإغراء والإغراء أمر وقرأ زيد بن علي تؤمنوا وتجاهدوا على إضمار لام الأمر وقبل إن يغفر لكم مجزوم بشرط مقدر : أي إن تؤمنوا يغفر لكم وقرأ بعضهم بالإدغام في يغفر لكم والأول ترك الإدغام لأن الراء حرف متكرر فلا يحسن إدغامه في اللام ﴿ ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ﴾ قد تقدم بيانه كيفية جري الأنار من تحت الجنات ﴿ ومساكن طيبة في جنات عدن ﴾ أي في جنات إقامة ﴿ ذلك الفوز العظيم ﴾ أي ذلك المذكور في المغفرة وإدخال الجنات الموصوفة بما ذكر هو الفزو الذي لا فوز بعده والظفر الذي لا ظفر يماثله
١٣ - ﴿ وأخرى تحبونها ﴾ قال الأخفش والفراء : أخرى معطوفة على تجارة فهي في محل خفض : أي وهل أدلكم على خلصة أخرى تحبونها في العاجل مع ثواب الآخرة وقيل هي في محل رفع : أي ولكم خصلة أخرى وقيل في محل نصب : أي ويعطيكم خصلة أخرى ثم بين سبحانه هذه الآخرة فقال :﴿ نصر من الله وفتح قريب ﴾ أي هي نصر من الله لكم وفتح قريب قال الكلبي : يعني النصر على قريش وفتح مكة وقال عطاء : يريد فتح فارس والروم ﴿ وبشر المؤمنين ﴾ معطوف على محذوف : أي قل يا أهيا الذين آمنوا وبشر أو على تؤمنون لأنه في معنى الأمر والمعنى : وبشر يا محمد المؤمنين بالنصر والفتح أو بشرهم بالنصر في الدنيا والفتح وبالجنة في الآخرة أو وبشرهم بالجنة في الآخرة
ثم حض سبحانه المؤمنين على نصرة دينه فقال : ١٤ - ﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ﴾ أي دوموا على ما أنتم عليه من نصرة الدين قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع ﴿ أنصار الله ﴾ بالتنوين وترك الإضافة وقرأ الباقون بالإضافة والرسم يحتمل القراءتين معا واختار أبو عيد قراءة الإضافة لقوله ﴿ نحن أنصار الله ﴾ بالإضافة ﴿ كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله ﴾ أي انصروا دين الله مثل نصرة الحواريين لما قال لهم عيسى ﴿ من أنصاري إلى الله ﴾ قالوا ﴿ نحن أنصار الله ﴾ والكاف في كما قال نعت مصدر محذوف تقديره : كونوا كونا كما قال وقيل الكاف في محل نصب على إضمار الفعل وقيل هو كلام محمول على معناه دون لفظه والمعنى : كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم من أنصاري إلى الله وقوله :﴿ إلى الله ﴾ قيل إلى بمعنى مع : أي من أنصاري مع الله وقيل التقدير : من أنصاري فيما يقرب إلى الله وقيل التقدير : من أنصاري متوجها إلى نصرة الله وقد تقدم الكلام على هذا في سورة آل عمران والحواريون هم أنصار المسيح وخلص أصحابه وأول من آمن به وقد تقدم بيانهم ﴿ فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ﴾ أي آمنت طائفة بعيسى وكفرت به طائفة وذلك لأنهم لما اختلفوا بعد رفعه تفرقوا وتقاتلوا ﴿ فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم ﴾ أي قوينا المحقين منه على المبطلين ﴿ فأصبحوا ظاهرين ﴾ أي عالين غالبين وقيل المعنى : فأيدنا الآن المسلمين على الفرقتين جميعا
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قالوا : لو كنا نعلم أي الأعمال أحب إلى الله ؟ فنزلت ﴿ يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ﴾ فكرهوا فنزيت ﴿ يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ﴾ إلى قوله :﴿ بنيان مرصوص ﴾ وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ﴾ قال : قد كان ذلك بحمد الله جاءه سبعون رجلا فبايعوه عند العقبة وآووه ونصروه حتى أظهر الله دينه وأخرج ابن إسحاق وابن سعد عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال :[ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للنفر الذين لقوه بالعقبة : أخرجوا إليه اثني عشر منكم يكونون كفلاء على قومهم كما كفلت الحواريون لعيسى ابن مريم ] وأخرج ابن سعد عن محمود بن لبيد قال :[ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم للنقباء : إنكم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم وأنا كفيل قومي قالوا نعم ] وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ﴿ فأيدنا الذين آمنوا ﴾ قال : فقوينا الذين آمنوا وأخرج ابن أبي حاتم عنه فأيدنا الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه و سلم وأمته على عدوهم فأصبحوا اليوم ظاهرين