وفي ساء معنى التعجب والإشارة بقوله : ٣ - ﴿ ذلك ﴾ إلى ما تقدم ذكره من الكذب والصد وقبح الأعمال وهو مبتدأ وخبره ﴿ بأنهم آمنوا ﴾ أي بسبب أنهم آمنوا في الظاهر نفاقا ﴿ ثم كفروا ﴾ في الباطن أو أظهروا الإيمان للمؤمنين وأظهروا الكفر للكافرين وهذا صريح في كفر المنافقين وقيل نزلت الآية في قوم آمنوا ثم ارتدوا والأول أولى كما يفيده السياق ﴿ فطبع على قلوبهم ﴾ أي ختم عليها بسبب كفرهم قرأ الجمهور ﴿ فطبع ﴾ على البناء للمفعول والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور بعده وقرأ زيد بن علي على البناء للفاعل والفاعل ضمير يعود إلى الله سبحانه ويدل على هذا قراءة الأعمش فطبع الله على قلوبهم ﴿ فهم لا يفقهون ﴾ ما فيه من صلاحهم ورشادهم وهو الإيمان
٤ - ﴿ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ﴾ أي هيئاتهم ومناظرهم يعني أن لهم أجساما تعجب من يراها لما فيها من النضارة والرونق ﴿ وإن يقولوا تسمع لقولهم ﴾ فتحسب أن قولهم حق وصدق لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم وقد كان عبد الله بن أبي رأس المنافقين فصيحا جسيما جميلا وكان يحضر مجلس النبي صلى الله عليه و سلم فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه و سلم مقالته قال الكلبي : المراد عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قيس كانت لهم أجسام ومنظر وفصاحة والخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وقيل لكل من يصلح له ويدل عليه قراءة من قرأ يسمع على البناء للمفعول وجملة ﴿ كأنهم خشب مسندة ﴾ مستأنفة لتقرير ما تقدم من أن أجسامهم تعجب الرائي وتروق الناظر ويجوز أن تكون في محل رفع على أنها خبر مبتدأ محذوف شبهوا في جلوسهم في مجالس رسول الله صلى الله عليه و سلم مستندين بها بالخشب المنصوبة المسندة إلى الحائط التي لا تفهم ولا تعلم وهم كذلك لخلوهم عن الفهم النافع والعلم الذي ينتفع به صاحبه قال الزجاج : وصفهم بتمام الصور ثم أعلم أنهم في ترك الفهم والاستبصار بمنزلة الخشب قرأ الجمهور ﴿ خشب ﴾ بضمتين وقرأ أبو عمرو والكسائي وقنبل بإسكان الشين وبها قرأ البراء بن عازب واختارها أبو عبيد لأن واحدتها خشبة كبدنة وبدن واختار القراءة الأولى أبو حاتم وقرأ سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب بفتحتين ومعنى مسندة أنها أسندت إلى غيرها من قولهم : أسندت كذا إلى كذا والتشديد للتكثير ثم عابهم الله سبحانه بالجبن فقال :﴿ يحسبون كل صيحة عليهم ﴾ أي يحسبون كل صيحة يسمعونها واقعة عليهم نازلة بهم لفرط جبنهم ورعب قلوبهم وفي المفعول الثاني للحسبان وجهان : أحدهما أنه عليهم ويكون قوله :﴿ هم العدو ﴾ جملة مستأنفة لبيان أنهم الكاملون في العداوة لكونهم يظهرون غير ما يبطنون والوجه الثاني أن المفعول الثاني للحسبان هو قوله :﴿ هم العدو ﴾ ويكون قوله :﴿ عليهم ﴾ متعلقا بصيحة وإنما جاء بضمير الجماعة باعتبار الخبر وكان حقه أن يقال : هو العدو والوجه الأول أولى قال مقاتل والسدي : أي إذا نادى مناد في العسكر أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة ظنوا أنهم المرادون لما في قلوبهم من الرعب ومن هذا قول الشاعر :

( مازلت تحسب كل شيء بعدهم خيلا تكر علهم ورجالا )
وقيل كان المنافقون على وجل من أن ينزل فيهم ما يهتك أستارهم ويبيح دماءهم وأموالهم ثم أمر الله سبحانه رسوله بأن يأخذ حذره منهم فقال :﴿ فاحذرهم ﴾ أن يتمكنوا من فرصة منك أو يطلعوا على شيء من أسرارك لأنهم عيون لأعدائك من الكفار ثم دعا عليهم بقوله :﴿ قاتلهم الله أنى يؤفكون ﴾ أي لعنهم الله وقد تقول العرب هذه الكلمة على طريقة التعجب كقولهم : قاتله الله من شاعر أو ما أشعره وليس بمراد هنا بل المراد ذمهم وتوبيخهم وهو طلب من الله سبحانه طلبه من ذاته عز و جل أن يلعنهم ويخزيهم أو هو تعليم للمؤمنين أن يقولو ذلك ومعنى ﴿ أنى يؤفكون ﴾ كيف يصرفون عن الحق ويميلون عنه إلى الكفر قال قتادة : معناه يعدلون عن الحق وقال الحسن معناه يصرفون عن الرشد


الصفحة التالية
Icon