ثم أخبر الله سبحانه بأن الأموال والأولاد فتنة فقال : ١٥ - ﴿ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ﴾ أي بلاء واختبار ومحنة يحملونكم على كسب الحرام ومنع حق الله فلا تطيعوهم في معصية الله ﴿ والله عنده أجر عظيم ﴾ لمن آثر طاعة الله وترك معصيته في محبة ماله وولده
ثم أمرهم سبحانه بالتقوى والطاعة فقال : ١٦ - ﴿ فاتقوا الله ما استطعتم ﴾ أي ما أطقتم وبلغ إليه جهدكم وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله سبحانه :﴿ اتقوا الله حق تقاته ﴾ ومنهم قتادة والربيع بن أنس والسدي وابن زيد وقد أوضحنا الكلام في قوله :﴿ اتقوا الله حق تقاته ﴾ ومعنى ﴿ واسمعوا وأطيعوا ﴾ أي اسمعوا ما تؤمرون به وأطيعوا الأوامر قال مقاتل اسمعوا : اقبلوا ما تسمعون لأنه لا فائدة في مجرد السماع ﴿ وأنفقوا خيرا لأنفسكم ﴾ أي أنفقوا من أموالكم التي رزقكم الله إياها في وجوه الخير ولا تبخلوا بها وقوله :﴿ خيرا لأنفسكم ﴾ منتصب بفعل مضمر دل عليه أنفقوا كأنه قال : ائتوا في الإنفاق خيرا لأنفسكم أو قدموا خيرا لها كذا قال سيبويه : وقال الكسائي والفراء : هو نعت لمصدر محذوف : أي إنفاقا خيرا وقال أبو عبيدة : هو خبر لكان المقدرة : أي يكن الإنفاق خيرا لكم وقال الكوفيون : هو منتصب على الحال وقيل هو مفعول به لأنفقوا : أي فأنفقوا خيرا والظاهر : في الآية الإنفاق مطلقا من غير تقييد بالزكاة الواجبة وقيل المراد زكاة الفريضة وقيل النافلة وقيل النفقة في الجهاد ﴿ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ﴾ أي ومن يوق شح نفسه فيفعل ما أمر به من الإنفاق ولا يمنعه ذلك منه فأولئك هم الظافرون بكل خير الفائزون بكل مطلب وقد تقدم تفسير هذه الآية
١٧ - ﴿ إن تقرضوا الله قرضا حسنا ﴾ فتصرفون أموالكم في وجوه الخير بإخلاص نية وطيب نفس ﴿ يضاعفه لكم ﴾ فيجعل الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف وقد تقدم تفسير هذه الآية واختلاف القراءة في في قراءتها في سورة البقرة وسورة الحديد ﴿ ويغفر لكم ﴾ أي يضم لكم إلى تلك المضاعفة غفران ذنوبكم ﴿ والله شكور حليم ﴾ يثيب من أطاعه بأضعاف مضاعفة ولا يعاجل من عصاه بالعقوبة
١٨ - ﴿ عالم الغيب والشهادة ﴾ أي ما غاب وما حضر لا تخفى عليه منه خافية وهو ﴿ العزيز الحكيم ﴾ أي الغالب القاهر ذو الحكمة الباهرة وقال ابن الأنباري : الحكيم هو المحكم لخلق الأشياء
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ﴾ في قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه و سلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم فنزلت إلى قوله :﴿ فإن الله غفور رحيم ﴾ وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه وابن مردويه عن بريدة قال :[ كان النبي صلى الله عليه و سلم يخطب فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله صلى الله عليه و سلم من المنبر فحملهما واحدا من ذا الشق وواحدا من ذا الشق ثم صعد المنبر فقال : صدق الله ﴿ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ﴾ إني لما نظرت إلى هذين الغلامين يمشيان ويعثران لم أصبر أن قطعت كلامي ونزلت إليهما ] وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ يقول الله استقرضت عبدي فأبى أن يقرضني وشتمني عبدي وهو لا يدري يقول : وادهراه وادهراه وأنا الدهر ثم تلا أبو هريرة ﴿ إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ﴾ ]