٢٤ - ﴿ تدمر كل شيء بأمر ربها ﴾ هذه الجملة صفة ثانية لريح : أي تهلك كل شيء مرت به من نفوس عاد وأموالها والتدمير : الإهلاك وكذا الدمار وقرئ يدمر بالتحتية مفتوحة وسكون الدال وضم الميم ورفع كل على الفاعلية من دمر دمارا ومعنى ﴿ بأمر ربها ﴾ أن ذلك بقضائه وقدره ﴿ فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ﴾ أي لا ترى أنت يا محمد أو كل من يصلح للرؤية إلا مساكنهم بعد ذهاب أنفسهم وأموالهم قرأ الجمهور ﴿ لا ترى ﴾ بالفوقية على الخطاب ونصب ﴿ مساكنهم ﴾ وقرأ حمزة وعاصم بالتحتية مضمونة مبنيا للمفعول ورفع مساكنهم قال سيبويه : معناه لا يرى أشخاصهم إلا مساكنهم واختار أبو عبيد وأبو حاتم القراءة الثانية قال الكسائي والزجاج : معناها لا يرى شيء إلا مساكنهم فهي محمولة على المعنى كما تقول : ما قال إلا هند والمعنى : ما قام أحد إلا هند وفي الكلام حذف والتقدير : فجاءتهم الريح فدمرتهم فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ﴿ كذلك نجزي القوم المجرمين ﴾ أي مثل ذلك الجزاء نجزي هؤلاء وقد مر بيان هذه القصة في سورة الأعراف
٢٥ - ﴿ ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ﴾ قال المبرد : ما في قوله فيما بمنزلة الذي وإن بمنزلة ما : يعني النافية وتقديره : ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه من المال وطول العمر وقوة الأبدان وقيل إن زائدة وتقديره : ولقد مكناهم فيما مكناكم فيه وبه [ قال ] القتيبي ومثله قول الشاعر :

( فما إن طبق جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا )
والأول أولى لأنه أبلغ في التوبيخ لكفار قريش وأمثالهم ﴿ وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ﴾ أي إنهم أعرضوا عن قبول الحجة والتذكر مع ما أعطاها الله من الحواس التي بها تدرك الأدلة ولهذا قال :﴿ فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء ﴾ أي فما نفعهم ما أعطاهم الله من ذلك حيث لم يتوصلوا به إلى التوحيد وصحة الوعد والوعيد وقد قدمنا من الكلام على وجه إفراد السمع وجمع البصر ما يغني عن الإعادة ومن في ﴿ من شيء ﴾ زائدة والتقدير : فما أغنى عنهم شيء من الإغناء ولا نفعهم بوجه من وجوه النفع ﴿ إذ كانوا يجحدون بآيات الله ﴾ الظرف متعلق بأغنى وفيها معنى التعليل : أي لأنهم كانوا يجحدون ﴿ وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ﴾ أي أحاط بهم العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء حيث قالوا ﴿ فأتنا بما تعدنا ﴾


الصفحة التالية
Icon