والأول أولى لقوله : ٢٤ - ﴿ أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ﴾ فإن أن هي المفسرة للتخافت المذكور لما فيه من معنى القول والمعنى : يسر بعضهم إلى بعض هذا القول وهو لا يدخل هذه الجنة اليوم عليكم مسكين فيطلب منكم أن تعطوه منها ما كان يعطيه أبوكم
٢٥ - ﴿ وغدوا على حرد قادرين ﴾ الحرد يكون بمعنى المنع والقصد قال قتادة ومقاتل والكلبي والحسن ومجاهد : الحرد هنا بمعنى القصد لأن القاصد إلى الشيء حارد يقال : حرد يحرد إذا قصد تقول : حردت حردك : أي قصدت قصدك ومنه قول الراجز :
( أقبل سيل جاء من عند الله | يحرد حرد الجنة المحلة ) |
( إذا جياد الخيل جاءت تردي | مملوءة من غضب وحرد ) |
( تساقوا على حرد دماء الأساود )
ومنه قيل أسد حارد وروي عن قتادة ومجاهد أيضا أنهما قالا : على حرد : أي على حسد وقال الحسن أيضا : على حاجة وفاقة وقيل على حرد : على انفراد يقال حرد يحرد حردا أو حرودا : إذا تنحى عن قومه ونزل منفردا عنهم ولم يخالطهم وبه قال الأصمعي وغيره وقال الأزهري : حرد اسم قريتهم وقال السدي : اسم جنتهم قرأ الجمهور حرد بسكون الراء وقرأ أبو العالية وابن السميفع بفتحها وانتصاب ﴿ قادرين ﴾ على الحال قال الفراء : ومعنى قادرين : قد قدروا وبنوا عليه وقال قتادة : قادرين على جنتهم عند أنفسهم وقال الشعبي : يعني قادرين على المساكين
٢٦ - ﴿ فلما رأوها ﴾ أي لما رأوا جنتهم وشاهدوا ما قد حل بها من الآفة التي أذهبت ما فيها ﴿ قالوا إنا لضالون ﴾ أي قال بعضهم لبعض : قد ضللنا طريق جنتنا وليست هذه
ثم لما تأملوا وعلموا أنها جنتهم وأن الله سبحانه قد عاقبهم بإذهاب ما فيها من الثمر والزرع قالوا : ٢٧ - ﴿ بل نحن محرومون ﴾ أي حرمنا جنتنا بسبب ما وقع منا من العزم على منع المساكين من خيرها فأضربوا عن قولهم الأول إلى هذا القول وقيل معنى قولهم ﴿ إنا لضالون ﴾ أنهم ضلوا عن الصواب بما وقع منهم
٢٨ - ﴿ قال أوسطهم ﴾ أي أمثلهم وأعقلهم وخيرهم ﴿ ألم أقل لكم لولا تسبحون ﴾ أي هلا تسبحون : يعني تستثنون وسمي الاستثناء تسبيحا لأنه تعظيم لله وإقرار به وهذا يدل على أن أوسطهم كان أمرهم بالاستثناء فلم يطيعوه وقال مجاهد وأبو صالح وغيرهما : كان استثناؤهم تسبيحا قال النحاس : أصل التسبيح التنزيه لله عز و جل فجعل التسبيح في موضع إن شاء الله وقيل المعنى : هلا تستغفرون الله من فعلكم وتتوبون إليه من هذه النية التي عزمتم عليها وكان أوسطهم قد قال لهم ذلك فلما قال لهم ذلك بعد مشاهدتهم الجنة على تلك الصفة