ثم زاد سبحانه في تفخيم أمرها وتفظيم شأنها وتهويل حالها فقال : ٣ - ﴿ وما أدراك ما الحاقة ﴾ أي أي شيء أعلمك ما هي ؟ أي كأنك لست تعلمها إذا لم تعاينها وتشاهد ما فيها من الأهوال فكأنها خارجة عن دائرة علم المخلوقين قال يحيى بن سلام : بلغني أن كل شيء في القرآن وما أدراك فقد أدراه إياه وعلمه وكل شيء قال فيه وما يدريك فإنه أخبره به وما مبتدأ وخبره أدراك وما الحاقة جملة من مبتدأ وخبر محلها النصب بإسقاط الخافض لأن أدري يتعدى إلى المفعول الثاني بالياء كما في قوله :﴿ ولا أدراكم به ﴾ فلما وقعت جملة الاستفهام معلقة له كانت في موضع المفعول الثاني وبدون الهمزة يتعدى إلى مفعول واحد بالباء نحو دريت بكذا وإن كان بمعنى العلم تعدى إلى مفعولين وجملة وما أدراك معطوفة على جملة ما الحاقة
٤ - ﴿ كذبت ثمود وعاد بالقارعة ﴾ أي بالقيامة وسميت بذلك لأنها تقرع الناس بأهوالها وقال المبرد : عنى بالقارعة القرآن الذي نزل في الدنيا على أنبيائهم وكانوا يخوفونهم بذلك فيكذبونهم وقيل القارعة مأخوذة من القرعة لأنها ترفع أقواما وتحط آخرين والأول أولى ويكون وضع القارعة موضع ضمير الحاقة للدلالة على عظيم هولها وفظاعة حالها والجملة مستأنفة لبيان بعض أحوال الحاقة
٥ - ﴿ فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ﴾ ثمود هم قوم صالح وقد تقدم بيان هذا في غير موضع وبيان منازلهم وأين كانت والطاغية الصيحة التي جاوزت الحد وقيل بطغيانهم وكفرهم وأصل الطغيان مجاوزة الحد
٦ - ﴿ وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر ﴾ عاد هم قوم هود وقد تقدم بيان هذا وذكر منازلهم وأين كانت في غير موضع والريح الصرصر هي الشديدة البرد مأخوذ من الصر وهو البرد وقيل هي الشديدة الصوت وقال مجاهد : الشديدة السموم والعاتية التي عتت عن الطاعة فكأنها عتت على خزانها فلم تطعهم ولم يقدروا على ردها لشدة هبوبها أو عتت على عاد فلم يقدروا على ردها بل أهلكتهم
٧ - ﴿ سخرها عليهم سبع ليال ﴾ هذه الجملة مستأنفة لبيان كيفية إهلاكهم ومعنى سخرها سلطها كذا قال مقاتل وقيل أرسلها وقال الزجاج : أقامها عليهم كما شاء والتسخير : استعمال الشيء بالاقتدار ويجوز أن تكون هذه الجملة صفة لريح وأن تكون حالا منها لتخصيصها بالصفة أو من الضمير في عاتية ﴿ وثمانية أيام ﴾ معطوف على سبع ليال وانتصاب ﴿ حسوما ﴾ على الحال : أي ذات حسوم أو على المصدر بفعل مقدر : أي تحسمهم حسوما أو على أنه مفعول به والحسوم التتابع فإذا تتابع الشيء ولم ينقطع أوله عن آخره قيل له الحسوم قال الزجاج : الذي توجبه اللغة في معنى قوله حسوما : أي تحسمهم حسوما تفنيهم وتذهبهم قال النضر بن شميل : حسمتهم قطعتهم وأهلكتهم قال الفراء : الحسوم الاتباع من حسم الداء وهو الكبي لأن صاحبه يكوى بالمكواة ثم يتابع ذلك عليه ومنه قول أبي دؤاد :

( يفرق بينهم زمن طويل تتابع فيه أعواما حسوما )
وقال المبرد : هو من قولك حسمت الشيء : إذا قطعته وفصلته عن غيره وقيل الحسم الاستئصال ويقال للسيف حسام لأنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته والمعنى : أنها حسمتهم : أي قطعتهم وأذهبتهم ومنه قول الشاعر :
( فأرسلت ريحا دبورا عقيما فدارت عليهم فكانت حسوما )
قال ابن زيد : أي حسمتهم فلم تبق منهم أحدا وروي عنه أنه قال : حسمت الأيام والليالي حتى استوفتها لأنها بدأت بطلوع الشمس من أول يوم وانقطعت بغروب الشمس من آخر يوم وقال الليث : الحسوم هي الشؤم : أي تحسم الخير عن أهلها كقوله ﴿ في أيام نحسات ﴾
واختلف في أولها فقيل غداة الأحد وقيل غداة الجمعة وقيل غداة الأربعاء قال وهب : وهذه الأيام هي التي تسميها العرب أيام العجوز كان فيها برد شديد وريح شديدة وكان أولها يومالأربعاء وآخرها يوم الأربعاء ﴿ فترى القوم فيها صرعى ﴾ الخطاب لكل من يصلح له على تقدير أنه لو كان حاضرا حينئذ لرأى ذلك والضمير في فيها يعود إلى الليالي والأيام وقيل إلى مهاب الريح والأول أولى وصرعى جمع صريع : يعني موتى ﴿ كأنهم أعجاز نخل خاوية ﴾ أي أصول نخل ساقطة أو بالية وقيل خالية لا جوف فيها والنخل يذكر ويؤنث ومثله قوله :﴿ كأنهم أعجاز نخل منقعر ﴾ وقد تقدم تفسيره وهو إخبار عن عظم أجسامهم قال يحيى بن سلام : إنما قال خاوية لأن أبدانهم خلت من أرواحهم مثل النخل الخاوية


الصفحة التالية
Icon