١٥ - ﴿ إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم ﴾ الخطاب لأهل مكة أو لكفار العرب أو لجميع الكفار والرسول محمد صلى الله عليه و سلم والمعنى : يشهد عليكم يوم القيامة بأعمالكم ﴿ كما أرسلنا إلى فرعون رسولا ﴾ يعني موسى
١٦ - ﴿ فعصى فرعون الرسول ﴾ الذي أرسلناه إليه وكذبه ولم يؤمن بما جاء به ومحل الكاف النصب على أنها نعت لمصدر محذوف والمعنى : إنا أرسنال إليكم رسولا فعصيتموه كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصاه ﴿ فأخذناه أخذا وبيلا ﴾ أي شديدا ثقيلا غليظا والمعنى : عاقبنا فرعون عقوبة شديدة غليظة بالغرق وفيه تخويف لأهل مكة أنه سينزل بهم من العقوبة مثل ما نزل به وإن اختلف نوع العقوبة قال الزجاج : أي ثقيلا غليظا ومنه قيل للمطر وابل وقال الأخفش : شديدا والمعنى متقارب ومنه طعام وبيل : إذا لا يستمرأ ومنه قول الخنساء :


١٧ -﴿ فكيف تتقون ﴾ أي كيف تقون أنفسكم ﴿ إن كفرتم ﴾ أي إن بقيتم على كفركم ﴿ يوما ﴾ أي عذاب يوم ﴿ يجعل الولدان شيبا ﴾ لشدة هوله : أي يصير الولدان شيوخا والشيب جمع أشيب وهذا يجوز أن يكون حقيقة وأنهم يصيرون كذلك أو تمثيلا لأن من شاهد الهول العظيم تقاصرت قواه وضعفت أعضاؤه وصار كالشيخ في الضعف وسقوط القوة وفي هذا تقريع لهم شديد وتوبيخ عظيم قال الحسن : أي كيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم وكذا قرأ ابن مسعود وعطية ويوما مفعول به لتتقون قال ابن الأنباري : ومنهم من نصب اليوم بكفرتم وهذا قبيح والولدان الصبيان
ثم زاد في وصف ذلك اليوم بالشدة فقال : ١٨ - ﴿ السماء منفطر به ﴾ أي متشققة به لشدته وعظيم هوله والجملة صفة أخرى ليوم والباء سببية وقيل هي بمعنى في : أي منفطر فيه وقيل بمعنى اللام : أي منفطر له وإنما قال منفطر ولم يقل منفطرة لتنزيل السماء منزلة شيء لكونها قد تغيرت ولم يبق منها إلا ما يعبر عنه بالشيء وقال أبو عمرو بن العلاء : لم يقل منفطرة لأن مجازها السقف كما قال الشافعي :
( لقد أكلت بجيلة يوم لاقت فوارس مالك أكلا وبيلا )
( فلو رفع السماء إليه قوما لحقنا بالسماء وبالسحاب )
فيكون هذا كما في قوله :﴿ وجعلنا السماء سقفا محفوظا ﴾ وقال الفراء : السماء تذكر وتؤنث وقال أبو علي الفارسي : هو من باب الجراد المنتشر والشجر الأخضر و ﴿ أعجاز نخل منقعر ﴾ قال أيضا : أي السماء ذات انفطار كقولهم امرأة مرضع : أي ذات إرضاع على طريق النسب وانفطارها لنزول الملائكة كما قال :﴿ إذا السماء انفطرت ﴾ وقوله :﴿ تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن ﴾ وقيل منفطر به : أي بالله والمراد بأمره والأول أولى ﴿ كان وعده مفعولا ﴾ أي وكان وعد الله بما وعد به من البعث والحساب وغير ذلك كائنا لا محالة والمصدر مضاف إلى فاعله أو وكان وعد اليوم مفعولا فالمصدر مضاف إلى مفعوله وقال مقاتل : كان وعده أن يظهر دينه على الدين كله
وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال :[ قلت لعائشة : أنبئيني عن قيام رسول الله قالت : ألست تقرأ هذه السورة ﴿ يا أيها المزمل ﴾ ؟ قلت : بلى قالت : فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهرا ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعا من بعد فرضه ] وقد روي هذا الحديث عنها من طرق وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها وكان بين أولها وآخرها نحو من سنة وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر عن أبي عبد الرحمن السلمي قال : لما نزلت يا أيها المزمل قاموا حولا حتى ورمت أقدامهم وسوقهم حتى نزلت ﴿ فاقرؤوا ما تيسر منه ﴾ فاستراح الناس وأخرج أبو داود في ناسخه وابن نصر وابن مردويه والبيهقي في سننه من طريق عكرمة عن ابن
عباس قال : في المزمل ﴿ قم الليل إلا قليلا * نصفه ﴾ نسختها الآية التي فيها ﴿ علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن ﴾ وناشئة الليل أوله كان صلاتهم أول الليل يقول هذا أجدر أن تحصوا ما فرض الله عليكم من قيام الليل وذلك أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ وقوله :﴿ أقوم قيلا ﴾ هو أجدر أن يفقه قراءة القرآن وقوله :﴿ إن لك في النهار سبحا طويلا ﴾ يقول فراغا طويلا وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ يا أيها المزمل ﴾ قال : زملت هذا الأمر فقم به وأخرج ابن المنذر عنه في الآية أيضا قال : يتزمل بالثياب وأخرج الفريابي عن أبي صالح عنه أيضا ﴿ ورتل القرآن ترتيلا ﴾ قال : تقرأ آيتين ثلاثا ثم تقطع لا تهدر وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن منيع في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر عنه أيضا ﴿ ورتل القرآن ترتيلا ﴾ قال : بينه تبيينا وأخرج العسكري في المواعظ عن علي بن أبي طالب مرفوعا نحوه وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن نصر والحاكم وصححه عن عائشة [ أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جرانها فما تستطيع أن تتحرك حتى يسري عنه وتلت ﴿ إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ﴾ ] وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن نصر والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله :﴿ إن ناشئة الليل ﴾ قال : قيام الليل بلسان الحبشة إذا قام الرجل قالوا نشأ وأخرج البيهقي عنه قال :﴿ ناشئة الليل ﴾ أوله وأخرج ابن المنذر وابن نصر عنه أيضا قال : الليل كله ناشئة وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ ناشئة الليل ﴾ بالحبشة قيام الليل وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن نصر والبيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال ﴿ ناشئة الليل ﴾ ما بين المغرب والعشاء وأخرج عبد بن حميد وابن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى عن ابن عباس في قوله :﴿ إن لك في النهار سبحا طويلا ﴾ قال : السبح الفراغ للحاجة والنوم وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : لما نزلت ﴿ وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا ﴾ لم يكن إلا يسيرا حتى كانت وقعة بدر وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود ﴿ إن لدينا أنكالا ﴾ قال : قيودا وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن
جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس ﴿ طعاما ذا غصة ﴾ قال : شجرة الزقوم وأخرج الحاكم وصححه عنه في قوله :﴿ كثيبا مهيلا ﴾ قال : المهيل الذي إذا أخذت منه شيئا تبعك آخره وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا ﴿ كثيبا مهيلا ﴾ قال : الرمل السائل وفي قوله :﴿ أخذا وبيلا ﴾ قال : شديدا وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضا [ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قرأ ﴿ يجعل الولدان شيبا ﴾ قال : ذلك يوم القيامة وذلك يوم يقول الله لآدم : قم فابعث من ذريتك بعثا إلى النار قال : من كم يا رب ؟ قال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين وينجو واحد فاشتد ذلك على المسلمين فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : إن بني آدم كثير وإن يأجوج ومأجوج من ولد آدم إنه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل ففيهم وفي أشباههم جنة لكم ] وأخرج ابن المنذر عن ابن مسعود نحوه بأخصر منه وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله :﴿ السماء منفطر به ﴾ قال : ممتلئة بلسان الحبشة وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : مثقلة موقرة وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية قال : يعني تشقق السماء


الصفحة التالية
Icon