ثم ذكر سبحانه ما لهم عنده من جزيل الثواب فقال : ٥ - ﴿ سيهديهم ﴾ أي سيهديهم الله سبحانه إلى الرشد في الدنيا ويعطيهم الثواب في الآخرة ﴿ ويصلح بالهم ﴾ أي حالهم وشأنهم وأمرهم قال أبو العالية : قد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطريق المفضية إليها وقال ابن زياد : يهديهم إلى محاجة منكر ونكير
٦ - ﴿ ويدخلهم الجنة عرفها لهم ﴾ أي بينها لهم حتى عرفوها من غير استدلال وذلك أنهم إذا دخلوا الجنة تفرقوا إلى منازلهم قال الواحدي : هذا قول عامة المفسرين وقال الحسن : وصف الله لهم الجنة في الدنيا فلما دخلوها عرفوها بصفتها وقيل فيه حذف : أي عرفوا طرقها ومساكنها وبيوتها وقيل هذا التعريف بدليل يدلهم عليها وهو الملك الموكل بالعلد يسير بين يديه حتى يدخله منزله كذا قال مقاتل وقيل معنى ﴿ عرفها لهم ﴾ طيبها بأنواع الملاذ مأخوذ من العرف وهو الرائحة
ثم وعدهم سبحانه على نصر دينه بقوله : ٧ - ﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ﴾ أي إن تنصروا دين الله ينصركم على الكفار ويفتح لكم ومثله قوله :﴿ ولينصرن الله من ينصره ﴾ قال قطرب : إن تنصروا نبي الله ينصركم ﴿ ويثبت أقدامكم ﴾ أي عند القتال وتثبيت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في مواطن الحرب وقيل على الإسلام وقيل على الصراط
٨ - ﴿ والذين كفروا فتعسا لهم ﴾ الموصول في محل رفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره فتعسوا بدليل ما بعده ودخلت الفاء تشبيها للمبتدأ بالشرط وانتصاب تعسا على المصدر للفعل المقدر خبرا قال الفراء : مثل سقيا لهم ورعيا وأصل التعس الانحطاط والعثار قال ابن السكيت : التعس أن يجر على وجهه والنكس أن يجر على رأسه قال : والتعس أيضا الهلاك قال الجوهري : وأصله الكب وهو ضد الانتعاش ومنه قول مجمع بن هلال :

( تقول وقد أفردتها من حليلها تعست كما أتعستني يا مجمع )
قال المبرد : أي فمكروها لهم وقال ابن جريح : بعدا لهم وقال السدي : خزيا لهم وقال ابن زيد : شقاء لهم وقال الحسن : شتما لهم وقال ثعلب : هلاكا لهم وقال الضحاك : خيبة لهم : وقال أبو العالية : شقوة لهم حكاه النقاش وقال الضحاك : رغما لهم وقال ثعلب أيضا : شرا لهم وقال أبو العالية : شقوة لهم واللام في لهم للبيان كما في قوله :﴿ هيت لك ﴾ وقوله :﴿ وأضل أعمالهم ﴾ معطوف على ما قبله داخل معه في خبرية الموصول
والإشارة بقوله : ٩ - ﴿ ذلك ﴾ إلى ما تقدم مما ذكره الله من التعس والإضلال : أي الأمر ذلك أو ذلك الأمر ﴿ بأنهم كرهوا ما أنزل الله ﴾ على رسوله من القرآن أو ما أنزل على رسله من كتبه لاشتمالها على ما في القرآن من التوحيد والبعث ﴿ فأحبط ﴾ الله ﴿ أعمالهم ﴾ بذلك السبب والمراد بالأعمال ما كانوا عملوا من أعمال الخير في الصورة وإن كانت باطلة من الأصل لأن عمل الكافر لا يقبل قبل إسلامه


الصفحة التالية
Icon