٣٩ - ﴿ فإن كان لكم كيد ﴾ أي إن قدرتم على كيد الآن ﴿ فكيدون ﴾ وهذا تقريع وتوبيخ لهم قال مقاتل : يقول إن كان لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم وقيل المعنى : فإن قدرتم على حرب فحاربون وقيل إن هذا من قول النبي صلى الله عليه و سلم فيكون كقول هود :﴿ فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ﴾
٤٠ - ﴿ ويل يومئذ للمكذبين ﴾ لأنه ظهر لهم عجزهم وبطلان ما كانوا عليه في الدنيا
ثم ذكر سبحانه المؤمنين فقال : ٤١ - ﴿ إن المتقين في ظلال وعيون ﴾ أي في ظلال الأشجار وظلال القصور لا كالظل الذي للكفار من الدخان أو من النار كما تقدم قال مقاتل والكلبي : المراد بالمتقين الذين يتقون الشرك بالله لأن السورة من أولها إلى آخرها في تقريع الكفار على كفرهم قال الرازي : فيجب أن تكون هذه الآية مذكورة لهذا الغرض وإلا لتفككت السورة في نظمها وترتيبها وإنما يتم النظم بأن يكون الوعد للمؤمنين بسبب إيمانهم فأما جعله سببا للطاعة فلا يليق بالنظم كذا قال والمراد بالعيون الأنهار وبالفواكه ما يتفكه به مما تطلبه أنفسهم وتستدعيه شهواتهم
٤٢ - ﴿ وفواكه مما يشتهون ﴾
٤٣ - ﴿ كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون ﴾ أي يقال لهم ذلك فالجملة مقدرة بالقول وهي في محل نصب على الحال من ضمير المتقين والباء للسببية : أي بسبب ما كنتم تعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة
٤٤ - ﴿ إنا كذلك نجزي المحسنين ﴾ أي مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي المحسنين في أعمالهم قرأ الجمهور ﴿ في ظلال ﴾ وقرأ الأعمش والزهري وطلحة والأعرج في ظلل جمع ظلة
٤٥ - ﴿ ويل يومئذ للمكذبين ﴾ حيث صاروا في شقاء عظيم وصار المؤمنون في نعيم مقيم
٤٦ - ﴿ كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ﴾ الجملة بتقدير القول في محل نصب على الحال من المكذبين : أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم ذلك تذكير لهم بحالهم في الدنيا أو يقال لهم هذا في الدنيا والمجرمون المشركون بالله وهذا وإن كان في اللفظ أمرا فهو في المعنى تهديد وزجر عظيم
٤٧ - ﴿ ويل يومئذ للمكذبين ﴾ كرره لزيادة التوبيخ والتقريع
٤٨ - ﴿ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ﴾ أي وإذا أمروا بالصلاة لا يصلون قال مقاتل : نزلت في ثقيف امتنعوا من الصلاة بعد أن أمرهم النبي صلى الله عليه و سلم بها فقالوا : لا ننحني فإنها مسبة علينا فقال النبي صلى الله عليه و سلم : لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود وقيل إنما يقال لهم ذلك في الآخرة حين يدعون إلى السجود فلا يستطيعون وقيل المعني بالركوع : الطاعة والخشوع
٤٩ - ﴿ ويل يومئذ للمكذبين ﴾ بأوامر الله سبحانه ونواهيه
٥٠ - ﴿ فبأي حديث بعده يؤمنون ﴾ أي فبأي حديث بعد القرآن يصدقون إذا لم يؤمنوا به قرأ الجمهور ﴿ يؤمنون ﴾ بالتحتية على الغيبة وقرأ ابن عامر في رواية عنه ويعقوب بالفوقية على الخطاب
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله :﴿ بشرر كالقصر ﴾ قال : كالقصر العظيم وقوله :﴿ جمالة صفر ﴾ قال : قطع النحاس وأخرج عبد الرزاق والفريابي وهناد وعبد بن حميد والبخاري وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه من طريق عبد الرحمن بن عابس قال : سمعت ابن عباس يسأل عن قوله :﴿ إنها ترمي بشرر كالقصر ﴾ قال : كنا نرفع الخشب بقدر ثلاثة أذرع أو أقل فنرفعه للشتاء فنسميه القصر قال : وسمعته يسأل عن قوله :﴿ جمالة صفر ﴾ قال : حبال السفن يجمع بعضها إلى بعض حتى تكون كأوساط الرجال ولفظ البخاري : كنا نعمد إلى الخشبة ثلاثة أذرع وفوق ذلك فنرفعه للشتاء فنسميه القصر ﴿ كأنه جمالة صفر ﴾ حبال السفن تجمع حتى تكون كأوساط الرجال وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أنه قرأ كالقصر بفتح القاف والصاد وقال قصر النخل : يعني الأعناق وأخرج ابن مردويه عنه أيضا قال : كانت العرب في الجاهلية تقول : أقصوا لنا الحطب فيقطع على قدر الذراع والذارعين وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط عن ابن مسعود في قوله :﴿ ترمي بشرر كالقصر ﴾ قال : إنها ليست كالشجر والجبار ولكنها مثل المدائن والحصون وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ كالقصر ﴾ قال : هو القصر وفي قوله :﴿ جمالة صفر ﴾ قال : الإبل وأخرج الحاكم وصححه من طريق عكرمة قال : سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن قوله :﴿ هذا يوم لا ينطقون ﴾ ﴿ فلا تسمع إلا همسا ﴾ ﴿ وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ﴾ و ﴿ هاؤم اقرؤوا كتابيه ﴾ فقال له : ويحك هل سألت عن هذا أحد قبلي ؟ قال لا قال : أما أنك لو كنت سألت هلكت أليس قال الله :﴿ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾ قال بلى قال : فإن لكل مقدار يوم من هذه الأيام لونا من الألوان وأخرج ابن جرير عن ابن عباس ﴿ وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ﴾ يقول : يدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون من أجل أنهم لم يكونوا يسجدون لله في الدنيا