ثم شرع سبحانه في تفصيل أحكام الفصل فقال : ٢١ - ﴿ إن جهنم كانت مرصادا ﴾ قال الأزهري : المرصاد المكان الذي يرصد الراصد فيه العدو قال المبرد : مرصادا يرصدون به : أي هو معد لهم يرصد به خزنتها الكفار قال الحسن : إن على الباب رصدا لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز عليهم فمن جاء بجواز جاز ومن لم يجيء بجواز حبس وقال مقاتل : محبسا وقيل طريقا وممرا قال في الصحاح : الراصد للشيء الراقب له يقال رصده يرصده رصدا والرصد الترقب والمرصد موضع الرصد قال الأصمعي : رصدته أرصده ترقبته ومعنى الآية : أن جهنم كانت في حكم الله وقضائه موضع رصد يرصد فيه خزنة النار الكفار ليعذبوهم فيها أو هي في نفسها متطلعة لمن يأتي إليها من الكفار كما يتطلع الرصد لمن يمر به ويأتي إليهم والمرصاد مفعال من أبنية المبالغة كالمعطار والمعمار فكأنه يكثر من جهنم انتظار الكفار
ثم ذكر من هي مرصد له فقال : ٢٢ - ﴿ للطاغين مآبا ﴾ أي مرجعا يرجعون إليه والمآب المرجع يقال آب يؤوب : إذا رجع والطاغي هو من طغى بالكفر وللطاغين نعت لمرصادا متعلق بمحذوف ومآبا بدل من مرصادا ويجوز أين يكون للطاغين في محل نصب على الحال من مآبا قدمت عليه لكونه نكرة
وانتصاب ٢٣ - ﴿ لابثين فيها ﴾ على الحال المقدرة من الضمير المستكن في الظاغين قرأ الجمهور ﴿ لابثين ﴾ بالألف وقرأ حمزة والكسائي ﴿ لابثين ﴾ بدون ألف وانتصاب ﴿ أحقابا ﴾ على الظرفية : أي ماكثين في النار ما دامت الأحقاب وهي لا تنقطع وكلما مضى حقب جاء حقب وهي جمع حقب بضمتين وهو الدهر والأحقاب الدهور والحقب بضم الحاء وسكون القاف قيل هو ثمانون سنة وحكى الواحدي عن المفسرين أنه بضع وثمانون سنة السنة ثلثمائة وستون يوما اليوم ألف سنة من أيام الدنيا وقيل الأحقاب وقت لشربهم الحميم والغساق فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العذاب وقال السدي : الحقب سبعون سنة وقال بشير بن كعب : ثلثمائة سنة وقال ابن عمر : أربعون سنة وقيل ثلاثون ألف سنة قال الحسن : الأحقاب لا يدري أحدكم هي ولكن ذكروا أنها مائة حقب والحقب الواحد منها سبعون ألف سنة اليوم منها كألف سنة وقيل الآية محمولة على العصاة الذين يخرجون من النار والأولى ما ذكرناه أولا من أن المقصود بالآية التأبيد لا التقييد وحكى الواحدي : عن الحسن أنه قال : والله ما هي إلا أنه إذا مضى حقب دخل آخر ثم آخر ثم كذلك إلى الأبد
وجملة ٢٤ - ﴿ لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ﴾
وجملة ٢٥ - ﴿ لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا * إلا حميما وغساقا ﴾ مستأنفة لبيان ما اشتملت عليه من أنهم لا يذوقون في جهنم أو في الأحقاب بردا ينفعهم من حرها وولا شرابا ينفعهم من عطشها إلا حميما وهو الماء الحار وغساقا وهو صديد أهل النار ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من ضمير الطاغين أو صفة للأحقاب والاستثناء منقطع عند من جعل البرد النوم ويجوز أن يكون متصلا من قوله :﴿ شرابا ﴾ وقال مجاهد والسدي وأبو عبيدة والكسائي والفضل بن خالد وأبو معاذ النحوي : البرد المذكور في هذه الآية هو النوم ومنه قول الكندي :

( بردت مراشفها علي فصدني عنها وعن تقبيلها البرد )
أي النوم قال الزجاج : أي لا يذوقون فيها برد ريح ولا ظل ولا نوم فجعل البرد يشمل هذه الأمور وقال الحسن وعطاء وابن زيد : بردا : أي روحا ورواحة قرأ الجمهور ﴿ غساقا ﴾ بالتخفيف وقرأ حمزة والكسائي بتشديد السين وقد تقدم تفسيره وتفسير الحميم والخلاف فيهما في سورة ص


الصفحة التالية
Icon