٣٨ - ﴿ يوم يقوم الروح والملائكة صفا ﴾ الظرف منتصب بلا يتكلمون أو بلا يملكون وصفا منتصب على الحال : أي مصطفين أو على المصدرية : أي يصفون صفا وقوله :﴿ لا يتكلمون ﴾ في محل نصب على الحال أو مستأنف لتقرير ما قبله
واختلف في الروح فقيل إنه ملك من الملائكة أعظم من السموات السبع ومن الأرضين السبع ومن الجبال وقيل هو جبريل قاله الشعبي والضحاك وسعيد بن جبير وقيل الروح جند من جنود الله ليسوا ملائكة قاله أبو صالح ومجاهد وقيل هم أشراف الملائكة قاله مقاتل بن حيان وقيل هم حفظة على الملائكة قاله ابن أبي نجيح وقيل هم بنو آدم قاله الحسن وقتادة وقيل هم أرواح بني آدم تقوم صفا وتقوم الملائكة صفا وذلك بين النفختين قبل أن ترد إلى الأجسام قاله عطية العوفي وقيل إنه القرآن قاله زيد بن أسلم وقوله :﴿ إلا من أذن له الرحمن ﴾ يجوز أن يكون بدلا من ضمير يتكلمون وأن يكون منصوبا على أصل الاستثناء والمعنى : لا يشفعون لأحد إلا من أذن له الرحمن بالشفاعة أو لا يتكلمون إلا في حق من أذن له الرحمن ﴿ و ﴾ كان ذلك الشخص ممن ﴿ قال صوابا ﴾ قال الضحاك ومجاهد : صوابا يعني حقا وقال أبو صالح : لا إله إلا الله وأصل الصواب السداد من القول والفعل قيل لا يتكلمون : يعني الملائكة والروح الذين قاموا صفا هيبة وإجلالا إلا من أذن له الرحمن منهم في الشفاعة وهم قد قالوا صوابا قال الحسن : إن الروح تقوم يوم القيامة لا يدخل أحد الجنة إلا بالروح ولا النار إلا بالعمل قال الواحدي : فهم لا يتكلمون : يعني الخلق كلهم إلا من أذن له الرحمن وهم المؤمنون والملائكة وقال في الدنيا صوابا : أي شهد بالتوحيد
والإشارة بقوله : ٣٩ - ﴿ ذلك ﴾ إلى يوم قيامهم على تلك الصفة وهو مبتدأ وخبره ﴿ اليوم أحل ﴾ أي الكائن الواقع المتحقق ﴿ فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا ﴾ أي مرجعا يرجع إليه بالعمل الصالح لأنه إذا عمل خيرا قربه إلى الله وإذا عمل شرا باعده منه ومعنى ﴿ إلى ربه ﴾ إلى ثواب ربه قال قتادة : مآبا : سبيلا
ثم زاد سبحانه في تخويف الكفار فقال : ٤٠ - ﴿ إنا أنذرناكم عذابا قريبا ﴾ يعني العذاب في الآخرة وكل ما هو آت فهو قريب ومثله قوله :﴿ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ﴾ كذا قال الكلبي وغيره وقال قتادة : هو عذاب الدنيا لأنه أقرب العذابين قال مقاتل : هو قتل قريش ببدر والأول أولى لقوله :﴿ يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ﴾ فإن الظرف إما بدل من عذاب أو ظرف لمضمر هو صفة له : أي عذابا كائنا ﴿ يوم ينظر المرء ﴾ أي يشاهد ما قدمه من خير أو شر وما موصولة أو استفهامية قال الحسن : والمرء هنا هو المؤمن : أي يجد لنفسه عملا فأما الكافر فلا يجد لنفسه عملا فيتمنى أن يكون ترابا وقيل المراد به الكافر على العموم وقيل أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط والأول أولى لقوله :﴿ ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ﴾ فإن الكافر واقع في مقابلة المرء والمراد جنس الكافر يتمنى أن يكون ترابا لما يشاهده مما قد أعده الله له من أنواع العذاب والمعنى : أنه يتمنى أنه كان ترابا في الدنيا فلم يخلق أو ترابا يوم القيامة وقيل المراد بالكافر أو جهل وقيل أوب سلمة بن عبد الأسد المخزومي وقيل إبليس والأول أولى اعتبارا بعموم اللفظ ولا ينافيه خصوص السبب كما تقدم غير مرة
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ إن للمتقين مفازا ﴾ قال : منتزها ﴿ وكواعب ﴾ قال : نواهد ﴿ أترابا ﴾ قال : مستويات ﴿ وكأسا دهاقا ﴾ قال : ممتلئا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ وكأسا دهاقا ﴾ قال : هي الممتلئة المترعة المتتابعة وربما سمعت العباس يقول : يا غلام أسقنا وادهق لنا وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه دهاقا قال دراكا وأخرج عبد بن حميد عنه أيضا قال : إذا كان فيها خمر فليس بكأس وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ الروح جند من جنود الله ليسوا بملائكة لهم رؤوس وأيد وأرجل ثم قرأ ﴿ يوم يقوم الروح والملائكة صفا ﴾ قال : هؤلاء جند وهؤلاء جند ] وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس ﴿ يوم يقوم الروح ﴾ قال : هو ملك من أعظم الملائكة خلقا وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال :[ الروح في السماء الرابعة وهو أعظم من السموات والجبال من الملائكة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة يخلق الله من كل تسبيحة ملكا من الملائكة يجيء يوم القيامة صفا واحدا ] وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال :[ إن جبريل يوم القيامة لقائم بين يدي الجبار ترعد فرائصه فرقا من عذاب الله يقول : سبحانك لا إله إلا أنت ما عبدناك حق عبادتك ما بين منكبيه كما بين المشرق والمغرب أما سمعت قول الله ﴿ يوم يقوم الروح والملائكة صفا ﴾ ] وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عنه في قوله :﴿ يوم يقوم الروح ﴾ قال : يعني حين تقوم أرواح الناس من الملائكة فيما بين النفختين قبل أن ترد الروح إلى الأجساد وأخرج ابن جرير وابن المنذر في الأسماء والصفات عنه أيضا ﴿ وقال صوابا ﴾ قال : لا إله إلا الله وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث والنشور عن أبي هريرة قال : يحشر الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شيء فيبلغ من عذاب الله أن يؤخذ للجماء من القرناء ثم يقول : كوني ترابا فذلك حين يقول الكافر ﴿ يا ليتني كنت ترابا ﴾


الصفحة التالية
Icon