وقوله : ٩ - ﴿ كلا ﴾ للردع والزجر عن الغترار بكرم الله وجعله ذريعة إلى الكفر به والمعاصي له ويجوز أن يكون بمعنى حقا وقوله :﴿ بل تكذبون بالدين ﴾ إضراب عن جملة مقدرة ينساق إليها الكلام كأنه قيل : بعد الردع وأنتم لا ترتدعون عن ذلك بل تجاوزونه إلى ما هو أعظم منه من التكذيب بالدين وهو الجزاء أو بدين الإسلام قال ابن الأنباري : الوقف الجيد على الدين وعلى ركبك وعلى كلا قبيح والمعنى : بل تكذبون يا أهل مكة بالدين : أي بالحساب وبل لنفي شيء تقدم وتحقيق غيره وإنكار البعث قد كان معلوما عندهم وإن لم يجر له ذكر قال الفراء : كلا ليس الأمر كما غررت به قرأ الجمهور ﴿ تكذبون ﴾ بالفوقية على الخطاب وقرأ الحسن وأبو جعفر وشيبة بالتحتية على الغيبة
وجملة ١٠ - ﴿ وإن عليكم لحافظين ﴾ في محل نصب على الحال من فاعل تكذبون : أي تكذبون والحال أن عليكم من يدفع تكذيبكم ويجوز أن تكون مستأنفة مسوقة لبيان ما يبطل تكذيبهم والحافظين الرقباء من الملائكة الذي يحفظون على العباد أعمالهم ويكتبونها في الصحف ووصفهم سبحانه بأنهم كرام لديه يكتبون ما يأمرهم به من أعمال العباد
١١ - ﴿ كراما كاتبين ﴾
وجملة ١٢ - ﴿ يعلمون ما تفعلون ﴾ في محل نصب على الحال من ضمير كاتبين أو على النعت أو مستأنفة قال الرازي : والمعنى التعجيب من حالهم كأنه قال : إنكم تكذبون بيوم الدين وملائكة الله موكلون بكم يكتبون أعمالكم حتى تحاسبوا بها يوم القيامة ونظيره قوله تعالى :﴿ عن اليمين وعن الشمال قعيد * ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ﴾
ثم بين سبحانه حال الفريقين فقال : ١٣ - ﴿ إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم ﴾ والجملة مستأنفة لتقرير هذا المعنى الذي سقيت له وهي كقوله سبحانه :﴿ فريق في الجنة وفريق في السعير ﴾
١٤ - ﴿ وإن الفجار لفي جحيم ﴾
١٥ - ﴿ يصلونها يوم الدين ﴾ صفة لجحيم ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من الضمير في متعلق الجار والمجرور أو مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل ما حالهم ؟ فقيل ﴿ يصلونها يوم الدين ﴾ أي يوم الجزاء الذي كانوا يكذبون به ومعنى يصلونها : أنهم يلزمونها مقاسين لوهجها وحرها يومئذ قرأ الجمهور ﴿ يصلونها ﴾ مخففا مبنيا للفاعل وقرئ بالتشديد مبنيا للمفعول
١٦ - ﴿ وما هم عنها بغائبين ﴾ إي لا يفارقونها أبدا ولا يغيبون عنها بل هم فيها وقيل المعنى : وما كانوا غائبين عنها قبل ذلك بالكلية بل كانوا يجدون حرها في قبورهم
ثم عظم سبحانه ذلك اليوم فقال : ١٧ - ﴿ وما أدراك ما يوم الدين * ثم ما أدراك ما يوم الدين ﴾ أي يوم الجزاء والحساب وكرره تعظيما لقدره وتفخيما لشأنه وتهويلا لأمره كما في قوله :﴿ القارعة * ما القارعة * وما أدراك ما القارعة ﴾ و ﴿ الحاقة * ما الحاقة * وما أدراك ما الحاقة ﴾ وامعنى : أي شيء جعلك داريا ما يوم الدين قال الكلبي : الخطاب للإنسان الكافر