والإشارة بقوله : ٢٨ - ﴿ ذلك ﴾ إلى التوفي المذكور على الصفة المذكورة وهو مبتدأ وخبره ﴿ بأنهم اتبعوا ما أسخط الله ﴾ أي بسبب اتباعهم ما يسخط الله من الكفر والمعاصي وقيل كتمانهم ما في التوراة من نعت نبيا صلى الله عليه و سلم والأول أولى لما في الصيغة من العموم ﴿ وكرهوا رضوانه ﴾ أي كرهوا ما يرضاه الله من الإيمان والتوحيد والطاعة ﴿ فأحبط ﴾ الله ﴿ أعمالهم ﴾ بهذا السبب والمراد بأعمالهم الأعمال التي صورتها صورة الطاعة وإلا فلا عمل لكافر أو ما كانوا قد عملوا من الخير قبل الردة
٢٩ - ﴿ أم حسب الذين في قلوبهم مرض ﴾ يعني المنافقين المذكورين سابقا وأم هي المنقطعة : أي بل أحسب المنافقون ﴿ أن لن يخرج الله أضغانهم ﴾ الإخراج بمعني الإظهار والأضغان جمع ضغن وهو ما يضمر من المكروه واختلف في معناه فقيل هو الغش وقيل الحسد وقيل الحقد قال الجوهري : الضغن والضغينة الحقد وقال قطرب : هو في الآية العداوة وأن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر
٣٠ - ﴿ ولو نشاء لأريناكهم ﴾ أي لأعلمناكهم وعرفناكهم بأعيانهم معرفة تقوم مقام الرؤية تقول العرب : سأريك ما أصنع : أي سأعلمك ﴿ فلعرفتهم بسيماهم ﴾ أي بعلامتهم الخاصة بهم التي يتميزون بها قال الزجاج : المعنى لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة وهي السيما فلعرفتهم بتلك العلامة والفاء لترتيب المعرفة على الإراءة وما بعدها معطوف على جواب لو وكررت في المعطوف للتأكيد وأما اللام في قوله :﴿ ولتعرفنهم في لحن القول ﴾ فهي جواب قسم محذوف قال المفسرون : لحن القول فحواه ومقصده ومغزاه وما يعرضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين وكان بعد هذا لا يتكلم منافق عنده إلا عرفه قال أبو زيد : لحنت له اللحن : إذا قلت له قولا يفقهه عنك ويخفى على غيره ومنه قول الشاعر :

( منطق صائب وتلحن أحيانا وخير الكلام ما كان لحنا )
أي أحسنه ما كان تعريضا بعهمه المخاطب ولا يفهمه غيره لفطنته وذكائه وأصل اللحن إمالة الكلام إلى نحو من الأنحاء لغرض من الأغراض ﴿ والله يعلم أعمالكم ﴾ لا تخفى عليه منها خافية فجازيكم بها وفيه وعيد شديد
٣١ - ﴿ ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ﴾ أي لنعاملنكم معاملة المختبر وذلك بأن نأمركم بالجهاد حتى نعلم من امتثل الأمر بالجهاد وصبر على دينه ومشاق ما كلف به قرأ الجمهور الأفعال الثلاثة بالنون وقرأ أبو بكر عن عاصم بالتحتية فيها كلها ومعنى ﴿ ونبلو أخباركم ﴾ نظهرها ونكشفها امتحانا لكم ليظهر للناس من أطاع أمره الله به ومن عصى ومن لم يتمثل وقرأ الجمهور ﴿ ونبلو ﴾ بنصب الواو عطفا على قوله ﴿ حتى نعلم ﴾ وروى ورش عن يعقوب إسكانها على القطع عما قبله
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم بحقو الرحمن فقال مه قالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال : نعم أترضي أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت بلى قال : فذلك لك ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اقرأوا إن شئتم ﴿ فهل عسيتم ﴾ الآية إلى قوله ﴿ أم على قلوب أقفالها ﴾ ] والأحاديث في صلة الرحم كثيرة جدا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إن الذين ارتدوا على أدبارهم ﴾ قال : هم أهل النفاق وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله :﴿ أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ﴾ قال : أعمالهم خبثهم والحسد الذي في قلوبهم ثم دل الله تعالى النبي صلى الله عليه و سلم بعد على المنافقين فكان يدعو باسم الرجل من أهل النفاق وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري في قوله :﴿ ولتعرفنهم في لحن القول ﴾ قال : ببغضهم علي بن أبي طالب


الصفحة التالية
Icon