ثم بين ذلك فقال : ٢٨ - ﴿ عينا يشرب بها المقربون ﴾ وانتصاب عينا على المدح وقال الزجاج : على الحال وإنما جاز أن تكون عينا حالا مع كونها جامدة غير مشتقة لاتصافها بقوله :﴿ يشرب بها ﴾ وقال الأخفش : إنها منصوبة بيسقون : أي يسقون عينا أو من عين وقال الفراء : إنها منصوبة بتسنيم على أنه مصدر مشتق من السنام كما في قوله :﴿ أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيما ﴾ والأول أولى وبه قال المبرد قيل والباء في بها زائدة : أي يشربها أو بمعنى من : أي يشرب منها قال ابن زيد : بلغنا أنها عين تجري من تحت العرش قيل يشرب بها المقربون صرفا ويمزج بها كأس أصحاب اليمين
ثم ذكر سبحانه بعض قبائح المشركين فقال : ٢٩ - ﴿ إن الذين أجرموا ﴾ وهم كفار قريش ومن وافقهم على الكفر ﴿ كانوا من الذين آمنوا يضحكون ﴾ أي كانوا في الدنيا يستهزئون بالمؤمنين ويسخرون منهم
٣٠ - ﴿ وإذا مروا بهم ﴾ أي وإذا مر المؤمنون بالكفار وهم في مجالسهم ﴿ يتغامزون ﴾ من الغمز وهو الإشارة بالجفون والحواجب : أي يغمز بعضهم بعضا ويشيرون بأعينهم وحواجبهم وقيل يعيرونهم بالإسلام ويعيبونهم به
٣١ - ﴿ وإذا انقلبوا ﴾ أي الكفار ﴿ إلى أهلهم ﴾ من مجالسهم ﴿ انقلبوا فكهين ﴾ أي معجبين بما هم فيه متلذذين به يتفكهون بذكر المؤمنين والطعن فيهم والاستهزاء بهم والسخرية منهم والانقلاب : الانصراف قرأ الجمهور ﴿ فاكهين ﴾ وقرأ حفص وابن القعقاع والأعرج والسلمي ﴿ فكهين ﴾ بغير ألف قال الفراء : هما لغتان مثل طمع وطامع وحذر وحاذر وقد تقدم بيانه في سورة الدخان أن الفكه : الأشر البطر والفاكه : الناعم المتنعم
٣٢ - ﴿ وإذا رأوهم ﴾ أي إذا رأى الكفار المسلمين في أي مكان ﴿ قالوا إن هؤلاء لضالون ﴾ في اتباعهم محمدا وتمسكهم بما جاء به وتركهم التنعم الحاضر ويجوز أن يكون المعنى : وإذا رأى المسلمون الكافرين قالوا هذا القول والأول أولى
وجملة ٣٣ - ﴿ وما أرسلوا عليهم حافظين ﴾ في محل نصب على الحال من فاعل قالوا : أي قالوا ذلك أنهم لم يرسلوا على المسلمين من جهة الله موكلين بهم يحفظون عليهم أحوالهم وأعمالهم
٣٤ - ﴿ فاليوم الذين آمنوا ﴾ المراد باليوم : اليوم الآخر ﴿ من الكفار يضحكون ﴾ والمعنى : أن المؤمنين في ذلك اليوم يضحكون من الكفار حين يرونهم أذلاء مغلوبين قد نزل بهم ما نزل من العذاب كما ضحك الكفار منهم في الدنيا
وجملة ﴿ على الأرائك ينظرون ﴾ في محل نصب على الحال من فاعل يضحكون : أي يضحكون منهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من الحال الفظيع وقد تقدم تفسير الأرائك قريبا قال الواحدي : قال المفسرون : إن أهل الجنة إذا أرادوا نظروا من منازلهم إلى أعداء الله وهم يعذبون في النار فضحكوا منهم كما ضحكوا منهم في الدنيا وقال أبو صالح : يقال لأهل النار اخرجوا ويفتح لهم أبوابها فإذا رأوها قد فتحت أقبلوا إليها يريدون الخروج والمؤمنون ينظرون إليهم على الأرائك فإذا انتهوا إلى أبوابها غلقت دونهم فذلك قوله :﴿ فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ﴾


الصفحة التالية
Icon