٢٢ - ﴿ في لوح محفوظ ﴾ أي مكتوب في لوح وهو أم الكتاب محفوظ عند الله من وصول الشياطين إليه قرأ الجمهور ﴿ محفوظ ﴾ بالجر على أنه نعت للوح وقرأ نافع برفعه على أنه نعت للقرآن : أي بل هو قرآن مجيد محفوظ في لوح واتفق القراء على فتح اللام من لوح إلا يحيى بن يعمر وابن السميفع فإنهما قرآ بضمها قال مقاتل : اللوح المحفوظ عن يمين العرش قيل والمراد باللوح بضم اللام : الهواء الذي فوق السماء السابعة قال أبو الفضل : اللوح بضم اللام : الهواء وكذا قال ابن خالويه قال في الصحاح : اللوح بالضم : الهواء بين السماء والأرض
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال :﴿ البروج ﴾ قصور في السماء وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله [ أن النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن ﴿ السماء ذات البروج ﴾ فقال : الكواكب وسئل عن قوله :﴿ الذي جعل في السماء بروجا ﴾ قال : الكواكب وعن قوله :﴿ في بروج مشيدة ﴾ قال : القصور ] وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ واليوم الموعود * وشاهد ومشهود ﴾ قال : اليوم الموعود يوم القيامة والشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة وهو الحج الأكبر فيوم الجمعة جعله الله عيدا لمحمد وأمته وفضله بها على الخلق أجمعين وهو سيد الأيام عند الله وأحب الأعمال فيه إلى الله وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب الله له ولا يستعذ من شيء إلا أعاذه منه ] وأخرج الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة رفعه ﴿ وشاهد ومشهود ﴾ قال : الشاهد يوم عرفة ويوم الجمعة والمشهود هو الموعود يوم القيامة وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال : اليوم الموعود يوم القيامة والمشهود يوم النحر والشاهد يوم الجمعة وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طريق شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ اليوم الموعود يوم القيامة والشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة ] وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في الآية :[ الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة ] وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس وأبي هريرة مثله موقوفا وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ إن سيد الأيام يوم الجمعة وهو الشاهد والمشهود يوم عرفة ] وهذا مرسل من مراسيل سعيد بن المسيب وأخرج ابن ماجه والطبراني وابن جرير عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة ] وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن علي بن أبي طالب في الآية قال : الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن الحسن بن علي أن رجلا سأله عن قوله :﴿ وشاهد ومشهود ﴾ قال : هل سألت أحدا قبلي ؟ قال : نعم سألت ابن عمر وابن الزبير فقالا : يوم الذبح ويوم الجمعة قال : لا ولكن الشاهد محمد صلى الله عليه و سلم ثم قرأ ﴿ وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ﴾ والمشهود يوم القيامة ثم قرأ ﴿ ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ﴾ وأخرج عبد بن حميد والطبراني في الأوسط و الصغير وابن مردويه عن الحسين بن علي في الآية قال : الشاهد جدي رسول الله صلى الله عليه و سلم والمشهود يوم القيامة ثم تلا ﴿ إنا أرسلناك شاهدا ﴾ ﴿ ذلك يوم مشهود ﴾ وأخرج عبد بن حميد والنسائي وابن أبي الدنيا والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال : اليوم الموعود يوم القيامة والشهد محمد صلى الله عليه و سلم والمشهود يوم القيامة ثم تلا ﴿ ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ﴾ وأخرج ابن جرير عنه قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا قال : الشاهد الله وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال : الشاهد الله والمشهود يوم القيامة
قلت : وهذه التافسير عن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفت كما ترى وكذلك اختلت تفاسير التابعين بعدهم واستدل من استدل منهم بآيات ذكر الله فيها أن ذلك الشيء شاهد أو مشهود فجعله دليلا على أنه المراد بالشاهد والمشهود في هذه الآية المطلقة وليس ذلك بدليل يستدل به على أن الشاهد والمشهود المذكورين في هذا المقام هو ذلك الشاهد والمشهود الذي ذكر في آية أخرى وإلا لزم أن يكون قوله هنا ﴿ وشاهد ومشهود ﴾ هو جميع ما أطلق عليه في الكتاب العزيز أو السنة المطهرة أنه يشهد أن أنه مشهود وليس بعض ما استدلوا به مع اختلافه بأولى من بعض ولم يقل قائل بذلك فإن قلت : هل في المرفوع الذي ذكرته من حديثي أبي هريرة وحديث أبي مالك وحديث جبير بن مطعم ومرسل سعيد بن المسيب ما يعين هذا اليوم الموعود والشاهد والمشهود ؟ قلت : أما اليوم الموعود فلم تختلف هذه الروايات التي ذكر فيها بل اتفقت على أنه يوم القيامة وأما الشاهد ففي حديث أبي هريرة الأول أنه يوم الجمعة وفي حديثه الثاني أنه يوم الجمعة وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة وفي حديثه الثاني أنه يوم عرفة ويوم الجمعة وفي حديث أبي مالك أنه يوم الجمعة وفي حديث جبير أنه يوم الجمعة وفي مرسل سعيد أنه يوم الجمعة فاتفقت هذه الأحاديث عليه ولا تضر زيادة يوم عرفة عليه في حديث أبي هريرة الثاني وأما المشهود ففي حديث أبي هريرة الأول أنه يوم عرفة وفي حديث الثاني أنه يوم القيامة وفي حديث أبي مالك أنه يوم عرفة وفي حديث جبير ابن معطم أنه يوم عرفة وكذا في حديث سعيد فقد تعين في هذه الروايات أنه يوم عرفة وهي أرجح من تلك الرواية التي صرح فيها بأنه يوم القيامة فحصل من مجموع هذا رجحان ما ذهب إليه الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة وأما اليوم الموعود فقد قدمنا أنه وقع الإجماع على أنه يوم القيامة
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ كان ملك من الملوك فيمن كان قبلكم وكان لذلك الملك كاهن يكهن له فقال له ذلك الكاهن : انظروا لي غلاما فهما أو قال فطنا لقنا فأعلمه علمي فإن أخاف أن أموت فينقطع منكم هذا العلم ولا يكون فيكم من يعلمه قال : فنظروا له على ما وصف فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن وأن يختلف إليه فجعل الغلام يختلف إليه وكان على طريق الغلالم راهب في صومعة فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مر به فلم يزل به حتى أخبره فقال : إنما أعبد الله فجعل الغلام يمكث عند هذا الراهب ويبطئ على الكاهن فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام أنه لا يكاد يحضرني فأخبر الغلام الراهب بذلك فقال له الراهب : إذا قال لك أين كنت ؟ فقل عند أهلي وإذا قال لك أهلك أين كنت ؟ فأخبرهم أني كنت عند الكاهن فبينهما الغلام على ذلك إذ مر بجماعة من الناس كثير قد حبستهم دابة يقال إنها كانت أسدا فأخذ الغلام حجرا فقال :[ اللهم ] إن كان ما يقول ذلك الراهب حقا فأسألك أن أقتل هذه الدابة وإن كان ما يقول الكاهن حقا فأسألك أن لا أقتلها ثم رمى فقتل الدابة فقال الناس : من قتلها ؟ فقالوا الغلام ففزع الناس وقالوا : قد علم هذا الغلام علما لم يعلمه أحد فسمع أعمى فجاءه فقال له : إن أنت رددت علي بصري فلك كذا وكذا فقال الغلام : لا أريد منك هذا ولكن أرأيت إن رجع عليك بصرك أتؤمن بالذي رده عليك ؟ قال نعم فدعا الله فرد عليه بصره فآمن الأعمى فبلغ الملك أمرهم فبعث إليهم فأتى بهم فقال : لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله وقتل الآخر بقتلة أخرى ثم أمر بالغلام فقال : انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا فألقوه من رأسه فانطلقوا به إلى ذلك الجبل فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل ويتردون حتى لم يبق منهم إلا الغلام ثم رجع الغلام فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه فانطلقوا به إلى البحر فغرق الله الذين كانوا معه وأنجاه فقال الغلام للملك : إنك لن تقتلني حتى تصلبني وترميني وتقول إذا رميتني : بسم الله رب الغلام فأمر به فصلت ثم رماه وقال : بسم الله رب الغلام فرقع السهم في صدغه فوضع الغلام يده على موضع السهم ثم مات فقال الناس : لقد علم هذا الغلام علما ما علمه أحد فإنا نؤمن برب هذا الغلام فقيل للملك : أجزعت أن خالفك ثلاثة فهذا العالم كلهم قد خالفوك قال : فخذ أخدودا ثم ألقي فيه الحطب والنار ثم جمع الناس فقال : من رجع عن دينه تركناه ومن لم يرجع ألقيناه في هذه النار فجعل يلقيهم في تلك الأخدود فقال : يقول الله :﴿ قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود ﴾ حتى بلغ ﴿ العزيز الحميد ﴾ ] فأما الغلام فإنه دفن ثم أخرج فيذكر أنه أخرج في زمن عمر ابن الخطاب وأصبعه على صدغة كما وضعها حين قتل ولهذه القصة ألفاظ فيها بعض اختلاف وقد رواها مسلم في أوخر الصحيح عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب وأخرجها أحمد من طريق عفان عن حماد به وأخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن حماد بن سلمة به وأخرجها الترمذي عن محمود بن غيلان وعبد بن حميد عن عبد الرزاق عن معمر عن ثابت به وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب في قوله :﴿ أصحاب الأخدود ﴾ قال : هم الحبشة وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : هم ناس من بني إسرائيل خدوا أخدودا في الأرض أوقدوا فيه نارا ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالا ونساء فعرضوا عليها وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال :﴿ والسماء ذات البروج ﴾ إلى قوله :﴿ وشاهد ومشهود ﴾ قال : هذا قسم على ﴿ إن بطش ربك لشديد ﴾ إلى آخرها وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ إنه هو يبدئ ويعيد ﴾ قال : يبدئ العذاب ويعيده وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله :﴿ الودود ﴾ قال : الحبيب وفي قوله :﴿ ذو العرش المجيد ﴾ قال : الكريم وأخرج ابن المنذر عنه في قوله :﴿ في لوح محفوظ ﴾ قال : أخبرت أنه لوح الذكر لوح واحد فيه الذكر وإن ذلك اللوح من نور وإنه مسيرة ثلثمائة سنة وأخرج ابن جرير عن أنس قال : إن اللوح المحفوظ الذي ذكره الله في قوله :﴿ بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ ﴾ في جبهة إسرافيل وأخرج أبو الشيخ قال السيوطي بسند جيد عن ابن عباس قال : خلق الله اللوح المحفوظ كمسيرة مائة عام فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق : اكتب علمي في خلقي فجرى ما هو كائن إلى يوم القيامة اهـ


الصفحة التالية
Icon