ثم أوصاه سبحانه باليتامى والفقراء فقال : ٩ - ﴿ فأما اليتيم فلا تقهر ﴾ أي لا تقهره بوجه من وجوه القهر كائنا من كان قال مجاهد : لا تحقر اليتيم فقد كنت يتيما قال الأخفش : لا تسلط عليه بالظلم ادفع إليه حقه واذكر يتمك قال الفراء والزجاج : لا تقهره على ماله فتذهب بحقه لضعفه وكذا كانت العرب تفعل في حق اليتامى تأخذ أموالهم وتظلمهم حقوقهم وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحسن إلى اليتيم ويبره ويوصي باليتامى قرأ الجمهور ﴿ فلا تقهر ﴾ بالقاف وقرأ ابن مسعود والنخعي والشعبي والأشهب العقيلي تكهر بالكاف والعرب تعاقب بين القاف والكاف قال النحاس : إنما يقال كهره : إذا اشتد عليه وغلظ وقيل القهر الغلبة والكهر الزجر قال أبو حيان : هي لغة : يعني قراءة الكاف مثل قراءة الجمهور واليتيم منصوب بتقهر
١٠ - ﴿ وأما السائل فلا تنهر ﴾ يقال نهره وانتهره : إذا استقبله بكلام يزجره فهو نهي عن زجر السائل والإغلاظ له ولكن يبذل له اليسير أو يرده بالجميل قال الواحدي : قال المفسرون : يريد السائل على الباب يقول لا تنهره : إذا سألك فقد كنت فقيرا فإما تطعمه وإما أن ترده ردا لينا قال قتادة : معناه رد السائل برحمة ولين وقيل المراد بالسائل الذي يسأل عن الدين فلا تنهره بالغلظة والجفوة وأجبه برفق ولين كذا قال سفيان والسائل منصوب بتنهر والتقدير : مهما يكن من شيء فلا تقهر اليتيم ولا تنهر السائل
١١ - ﴿ وأما بنعمة ربك فحدث ﴾ أمره سبحانه بالتحدث بنعم الله عليه وإظهارها للناس وإشهارها بينهم والظاهر النعمة على العموم من غير تخصيص بفرد من أفرادها أو نوع من أنواعها وقال مجاهد والكلبي : المراد بالنعمة هنا القرآن قال الكلبي : وكان القرآن أعظم ما أنعم الله به عليه فأمره أن يقرأه قال الفراء : وكن يقرأه ويحدث به وقال مجاهد أيضا : المراد بالنعمة النبوة التي أعطاه الله واختار هذا الزجاج فقال : أي بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي آتاك الله وهي أجل النعم وقال مقاتل : يعني اشكر ما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة من الهدى بعد الضلالة وجبر اليتم والإغناء بعد العيلة فاشكر هذه النعم والتحدث بنعمة الله شكر والجار والمجرور متعلق بحدث والفاء غير مانعة من تعلقه به وهذه النواهي لرسول الله صلى الله عليه و سلم هي نواه له ولأمته لأنهم أسوته فكل فرد من أفراد هذه الأمة منهي بكل فرد من أفراد هذه النواهي
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس ﴿ والليل إذا سجى ﴾ قال : إذا أقبل وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه ﴿ إذا سجى ﴾ قال : إذا ذهب ﴿ ما ودعك ربك ﴾ قال ما تركك ﴿ وما قلى ﴾ قال : ما أبغضك وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل عنه أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ عرض علي ما هو مفتوح لأمتي بعدي فأنزل الله ﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ﴾ ] وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم عنه أيضا قال [ عرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم ما هو مفتوح على أمته من بعده فسر بذلك فأنزل الله ﴿ ولسوف يعطيك ربك فترضى ﴾ فأعطاه في الجنة ألف قصر من لؤلؤ ترابه المسك في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم ] وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله :﴿ ولسوف يعطيك ربك فترضى ﴾ قال : رضاه أن يدخل أمته كلهم الجنة وأخرج ابن جرير عنه أيضا في الآية قال : من رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار وأخرج الخطيب في التلخيص من وجه آخر عنه أيضا في الآية قال : لا يرضى محمد وأحد من أمته في النار ويدل على هذا ما أخرجه مسلم عن ابن عمرو [ أن النبي صلى الله عليه و سلم تلا قول الله في إبراهيم ﴿ فمن تبعني فإنه مني ﴾ وقول عيسى ﴿ إن تعذبهم فإنهم عبادك ﴾ الآية فرفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك ] وأخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي ؟ قال : إي والله حدثني محمد بن الحنفية عن علي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :[ أشفع لأمتي حتى يناديني ربي أرضيت يا محمد ؟ فأقول : نعم يا رب رضيت ثم أقبل علي فقال : إنكم تقولون يا معشر أهل العراق إن أرجى آية في كتاب الله ﴿ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ﴾ قلت إنا لنقول ذلك قال : فكنا أهل البيت نقول : إن أرجى آية في كتاب الله ﴿ ولسوف يعطيك ربك فترضى ﴾ وهي الشفاعة ] وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ﴿ ولسوف يعطيك ربك فترضى ﴾ ] وأخرج العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال [ دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على فاطمة وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من جلد الإبل فلما نظر إليها قال : يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا بنعيم الآخرة فأنزل الله ﴿ ولسوف يعطيك ربك فترضى ﴾ ] وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ سألت ربي مسألة وددت أني لم أكن سألته قلت : قد كانت قبلي أنبياء منهم من سخرت له الريح ومنهم من كان يحيى الموتى فقال تعالى : يا محمد ألم أجدك يتيما فآويتك ؟ ألم أجدك ضالا فهديتك ؟ ألم أجدك عائلا فأغنيتك ؟ ألم أشرح لك صدرك ؟ ألم أضع عنك وزرك ؟ ألم أرفع لك ذكرك ؟ قلت بلى يا رب ] وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال :[ لما نزلت ﴿ والضحى ﴾ على رسول الله صلى الله عليه و سلم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يمن علي ربي وأهل أن يمن ربي ] وأخرج ابن مردويه عنه في قوله :﴿ ووجدك ضالا فهدى ﴾ قال : وجدك بين الضالين فاستنقذك من ضلالتهم وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن علي في قوله :﴿ وأما بنعمة ربك فحدث ﴾ قال : ما علمت من الخير وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال : إذا أصبت خيرا فحدث إخوانك وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند والبيهقي في الشعب والخطيب في المتفق قال السيوطي بسند ضعيف عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم على المنبر :[ من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر وتركها كفر والجماعة رحمة ] وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه أبو يعلى وابن حبان والبيهقي والضياء عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :[ من أبلى بلاء فذكره فقد شكره وإن كتمه فقد كفره ] وأخرج البخاري في الأدب و أبو داوود و الضياء عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ من أعطي عطاء فوجد فليجز به فإن لم يجد فليثن به فمن أثنى به فقد شكره ومن كتمه فقد كفره ومن تحلى بما لم يعط فإنه كلابس ثوب زور ] وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي عن عائشة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ من أولي معروفا فليكافئ به فإن لم يستطع فليذكره فإن من ذكره فقد شكره ]


الصفحة التالية
Icon