٢ - ﴿ وطور سينين ﴾ هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى اسمه الطور ومعنى سنين : المبارك الحسن بلغة الحبشة قاله قتادة : وقال مجاهد : هو المبارك بالسريانية وقال مجاهد والكلبي : سينين كل جبل فيه شجر مثمر فهو سينين وسيناء لأنه جعل اسما للبقعة وإنما أقسم بهذا الجبل لأنه بالشام وهي الأرض المقدسة كما في قوله ﴿ إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ﴾ وأعظم بركة حلت به ووقعت عليه تكليم الله لموسى عليه قرأ الجمهور سينين بكسر السين وقرأ ابن إسحاق وعمرو بن ميمون وأبو رجاء بفتحها وهي لغة بكر وتميم وقرأ عمر بن الخطاب وابن مسعود والحسن وطلحة سيناء بالكسر والمد
٣ - ﴿ وهذا البلد الأمين ﴾ يعني مكة سماه أمينا لأنه آمن كما قال :﴿ أنا جعلنا حرما آمنا ﴾ يقال أمن الرجل أمانة فهو أمين قال الفراء وغيره : الأمين بمعنى الآمن ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول من أمنه لأنه مأمون الغوائل
٤ - ﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ﴾ هذا جواب القسم : أي خلقنا جنس الإنسان كائنا في أحسن تقويم وتعديل قال الواحدي : قال المفسرون : إن الله خلق كل ذي روح مكبا على وجهه إلا الإنسان خلقه مديد القامة يتناول مأكوله بيده ومعنى التقويم : التعديل يقال : قومته فاستقام قال القرطبي : هو اعتداله واستواء شأنه كذا قال عامة المفسرين قال ابن العربي : ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان فإن الله خلقه حيا عالما قادرا مريدا متكلما سميعا بصيرا مدبرا حكيما وهذه صفات الرب سبحانه وعليها حمل بعض العلماء قوله صلى الله عليه و سلم :[ إن الله خلق آدم على صوته ] يعني على صفاته التي تقدم ذكرها قلت : وينبغي أن يضم إلى كلامه هذا قوله سبحانه :﴿ ليس كمثله شيء ﴾ وقوله :﴿ ولا يحيطون به علما ﴾ ومن أراد أن يقف على حقيقة ما اشتمل عليه الإنسان من بديع الخلق وعجيب الصنع فلينظر في كتاب العبر والاعتبار للجاحظ وفي الكتاب الذي عقده النيسابوري على قوله :﴿ وفي أنفسكم أفلا تبصرون ﴾ وهو في مجلدين ضخمين
٥ - ﴿ ثم رددناه أسفل سافلين ﴾ أي رددناه إلى أرذل العمر وهو الهرم والضعف بعد الشباب والقوة حتى يصير كالصبي فيخرف وينقص عقله كذا قال جماعة من المفسرين قال الواحدي : والسافلون هم الضعفاء والزمناء والأطفال والشيخ الكبير أسفل هؤلاء جميعا وقال مجاهد وأبو العالية والحسن : المعنى ثم رددنا الكافر إلى النار وذلك أن النار درجات بعضها أسفل من بعض فالكافر يرد إلى أسفل الدرجات السافلة ولا ينافي هذا قوله تعالى :﴿ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ﴾ فلا مانع من كون الكفار والمنافقين مجتمعين في ذلك الدرك الأسفل وقوله :﴿ أسفل سافلين ﴾ إما حال من المفعول : أي رددناه حال كونه أسفل سافلين أو صفة لمقدر محذوف : أي مكانا أسفل سافلين