٨ - ﴿ أليس الله بأحكم الحاكمين ﴾ أي أليس الذي فعل ما فعل مما ذكرنا بأحكم الحاكمين صنعا وتدبيرا ؟ حتى تتوهم عدم الإعادة والجزاء وفيه وعيد شديد للكفار ومعنى أحكم الحاكمين : أتقن الحاكمين في كل ما يخلق وقيل أحكام الحاكمين قضاء وعدلا والاستفهام إذا دخل على النفي صار الكلام إيجابا كما تقدم تفسير قوله :﴿ ألم نشرح لك صدرك ﴾
وقد أخرج الخطيب وابن عساكر قال السيوطي بسند فيه مجهول عن الزهري عن أنس قال : لما أنزلت سورة التين والزيتون على رسول الله صلى الله عليه و سلم فرح فرحا شديدا حتى تبين لنا شدة فرحه فسألنا ابن عباس عن تفسيرها فقال : التين بلاد الشام والزيتون بلاد فلسطين وطور سيناء الذي كلم الله عليه موسى وهذا البلد الأمين مكة ﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ﴾ محمدا ﴿ ثم رددناه أسفل سافلين ﴾ عبدة اللات والعزى ﴿ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ﴾ أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ﴿ فما يكذبك بعد بالدين * أليس الله بأحكم الحاكمين ﴾ إذ بعثك فيهم نبيا وجمعك على التقوى يا محمد ومثل هذا التفسير من ابن عباس لا تقوم به حجة لما تقدم من كون في إسناده ذلك المجهول وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ والتين والزيتون ﴾ قال : مسجد نوح الذي بني على الجودي والزيتون قال : بيت المقدس ﴿ وطور سينين ﴾ قال : مسجد الطور ﴿ وهذا البلد الأمين ﴾ قال : مكة ﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ﴾ ﴿ ثم رددناه أسفل سافلين ﴾ يقول : يرد إلى أرذل العمر كبر حتى ذهب عقله هم نفر كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فسئل رسول الله صلى الله عليه و سلم حين سفهت عقولهم فأنزل الله عذرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم ﴿ فما يكذبك بعد بالدين ﴾ يقول : بحكم الله وأخرج ابن مردويه عنه نحوه وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه أيضا ﴿ والتين والزيتون ﴾ قال : الفاكهة التي يأكلها الناس ﴿ وطور سينين ﴾ قال : الطور الجبل والسينين المبارك وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا ﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ﴾ قال في أعدل خلق ﴿ ثم رددناه أسفل سافلين ﴾ يقول : إلى أرذل العمر ﴿ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ﴾ يعني غير منقوص يقول فإذا بلغ المؤمن أرذل العمر وكان يعمل في شبابه عملا صالحا كتب له من الأجر مثل ما كان يعمل في صحته وشبابه ولم يضره ما عمل في كبره ولم تكتب عليه الخطايا التي يعمل بعد ما يبلغ أرذل العمر وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال : من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر وذلك قوله :﴿ ثم رددناه أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ قال : لا يكون حتى لا يعلم من بعد علم شيئا وأخرج ابن أبي حاتم عنه ﴿ ثم رددناه أسفل سافلين ﴾ يقول : إلى الكبر وضعفه فإذا كبر وضعف عن العمل كتب له مثل أجر ما كان يعمل في شبيبته وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما ] وأخرج الترمذي وابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعا [ من قرأ التين والزيتون فقرأ ﴿ أليس الله بأحكم الحاكمين ﴾ فليقل : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ] وأخرج ابن مردويه عن جابر مرفوعا [ إذا قرأت التين والزيتون فقرأ ﴿ أليس الله بأحكم الحاكمين ﴾ فقل بلى ] وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان إذا قرأ ﴿ أليس الله بأحكم الحاكمين ﴾ قال : سبحانك اللهم فبلى اهـ