٣ - ﴿ اقرأ وربك الأكرم ﴾ أي افعل ما أمرت به من القراءة وجملة ﴿ وربك الأكرم ﴾ مستأنفة لإزاحة ما اعتذر به صلى الله عليه و سلم من قوله : ما أنا بقارئ يريد أن القراءة شأن من يكتب ويقرأ وهو أمي فقيل له اقرأ وربك الأكرم الذي أمرك بالقراءة هو الأكرم قال الكلبي : يعني الحليم عن جهل العباد فلم يعجل بعقوبتهم وقيل إنه أمره بالقراءة أولا لنفسه ثم أمره بالقراءة ثانيا للتبليغ فلا يكون من باب التأكيد والأول أولى
٤ - ﴿ الذي علم بالقلم ﴾ أي علم الإنسان الخط بالقلم فكان بواسطة ذلك يقدر على أن يعلم كل مكتوب قال الزجاج : علم الإنسان الكتابة بالقلم قال قتادة : القلم نعمة من الله عز و جل عظيمة لولا ذلك لم يقم دين ولم يصلح عيش فدل على كمال كرمه بأنه علم عباده ما لم يعلموا ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم ولا كتب الله المنزلة إلا بالكتابة ولولا هي ما استقامت أمور الدين ولا أمور الدنيا وسمي قلما لأنه يقلم : أي يقطع
٥ - ﴿ علم الإنسان ما لم يعلم ﴾ هذه الجملة بدل اشتمال من التي قبلها : أي علمه بالقلم من الأمور الكلية والجزئية ما لم يعلم به منها قيل المراد بالإنسان هنا آدم كما في قوله :﴿ وعلم آدم الأسماء كلها ﴾ وقيل الإنسان هنا رسول الله صلى الله عليه و سلم والأولى حمل الإنسان على العموم والمعنى : أن من علمه الله سبحانه من هذا الجنس بواسطة القلم فقد علمه ما لم يعلم
وقوله : ٦ - ﴿ كلا ﴾ ردع وزجر لمن كفر نعم الله عليه بسبب طغيانه وإن لم يتقدم له ذكر ومعنى ﴿ إن الإنسان ليطغى ﴾ أنه يجاوز الحد ويستكبر على ربه وقيل المراد بالإنسان هنا أبو جهل وهو المراد بهذا وما بعده إلى آخر السورة وأنه تأخر نزول هذا وما بعده عن الخمس الآيات المذكورة في أول هذه السورة وقيل كلا هنا بمعنى حقا قاله الجرجاني وعلل ذلك بأنه ليس قبله ولا بعده شيء يكون كلا ردا له
وقوله : ٧ - ﴿ أن رآه استغنى ﴾ علة ليطغى : أي ليطغى أن رأى نفسه مستغنيا أو لأن رأى نفسه مستغنيا والرؤية هنا بمعنى العلم ولو كانت البصرية لامتنع الجمع بين الضميرين في فعلها لشيء واحد لأن ذلك من خواص باب علم ونحوه قال الفراء : لم يقل رأى نفسه كما قيل قتل نفسه لأن رأى من الأفعال التي تريد اسما وخبرا نحو الظن والحسبان فلا يقتصر فيه على مفعول واحد والعرب تطرح النفس من هذا الجنس تقول : رأيتني وحسبتين ومتى تراك خارجا ومتى تظنك خارجا قيل والمراد هنا أنه استغنى بالعشيرة والأنصار والأموال قرأ الجمهور ﴿ أن رآه ﴾ بمد الهمزة وقرأ قنبل عن ابن كثير بقصرها قال مقاتل : كان أبو جهل إذا أصاب مالا زاد في ثيابه ومركبه وطعامه وشرابه فذلك طغيانه وكذا قال الكلبي : ثم هدد سبحانه وخوف