ثم كرر الوعيد والتهديد للتأكيد فقال ٧ - ﴿ ثم لترونها عين اليقين ﴾ أي ثم لترون الجحيم الرؤية التي هي نفس اليقين وهي المشاهدة والمعاينة وقيل المعنى : لترون الجحيم بأبصاركم على البعد منكم ثم لترونها مشاهدة على القرب وقيل المراد بالأول رؤيتها قبل دخولها والثاني رؤيتها حال دخولها وقيل هو إخبار عن دوام بقائهم في النار : أي هي رؤية دائمة متصلة وقيل المعنى : لو تعلمون اليوم علم اليقين وأنتم في الدنيا لترون الجحيم بعين قلوبكم وهو أن تتصورا أمر القيامة وأهوالها
٨ - ﴿ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ﴾ أي عن نعيم الدنيا الذي ألهاكم عن العمل للآخرة قال قتادة : يعني كفار مكة كانوا في الدنيا في الخير والنعمة فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه ولم يشكروا رب النعم حيث عبدوا غيره وأشركوا به قال الحسن : لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار وقال قتادة : إن الله سبحانه سائل كل ذي نعمة عما أنعم عليه وهذا هو الظاهر ولا وجه لتخصيص النعيم بفرد من الأفراد أو نوع من الأنواع لأن تعريفه للجنس أو الاستغراق ومجرد السؤال لا يستلزم تعذيب المسؤول على النعمة التي يسأل عنها فقد يسأل الله المؤمن عن النعم التي أنعم بها عليه فيم صرفها وبم عمل فيها ؟ ليعرف تقصيره وعدم قيامه بما يجب عليه من الشكر وقيل السؤال عن الأمن والصحة وقيل عن الصحة والفراغ وقيل عن الإدراك بالحواس وقيل عن ملاذ المأكون والمشروب وقيل عن الغداء والعشاء وقيل عن بارد الشراب وظلال المساكن وقيل عن اعتدال الخلق وقيل عن لذة النون والأولى العموم كما ذكرنا
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي بردة في قوله :﴿ ألهاكم التكاثر ﴾ قال : نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في بني حارثة وبني الحارث تفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما : فيكم مثل فلان وفلان وقال الآخرون مثل ذلك تفاخروا بالأحياء ثم قالوا : انطلقوا بنا إلى القبور فجعلت إحدى الطائفتين تقول : فيكم مثل فلان يشيرون إلى القبر ومثل فلان وفعل الآخرون كذلك فأنزل الله ﴿ ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر ﴾ لقد كان لكم فيما زرتم عبرة وشغل وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله :﴿ ألهاكم التكاثر ﴾ قال : في الأموال والأولاد وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم ألهاكم التكاثر يعني عن الطاعة ﴿ حتى زرتم المقابر ﴾ يقول : حتى يأتيكم الموت ﴿ كلا سوف تعلمون ﴾ يعني لو قد دخلتم قبوركم ﴿ ثم كلا سوف تعلمون ﴾ يقول : لو قد خرجتم من قبوركم إلى محشركم ﴿ كلا لو تعلمون علم اليقين ﴾ قال : لو قد وقفتم على أعمالكم بين يدي ربكم ﴿ لترون الجحيم ﴾ وذلك أن الصراط يوضع وسط جهنم فناج مسلم ومخدوش مسلم ومكدوش في نار جهنم ﴿ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ﴾ يعني شبع البطون وبارد [ المشرب ] وظلال المساكن واعتدال الخلق ولذة النوم وأخرج ابن مردويه عن عياض بن غنم مرفوعا نحوه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله ﴿ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ﴾ قال : صحة الأبدان والأسماع والأبصار وهو أعلم بذلك منهم وهو قوله ﴿ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ﴾ وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه و سلم ﴿ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ﴾ قال : الأمن والصحة وأخرج البيهقي عن علي بن أبي طالب قال : النعيم العافية وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : من أكل خبز البر وشرب ماء الفرات مبردا وكان له منزل يسكنه فذلك من النعيم الذي يسأل عنه وأخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في الآية : أكل خبز البر والنوم في الظل وشرب ماء الفرات مبردا ولعل رفع هذا لا يصح فربما كان من قول أبي الدرداء وأخرج أحمد في الزهد وابن مردويه عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه و سلم في الآية قال :[ ناس من أمتي يعقدون السمن والعسل بالنقي فيأكلونه ] وهذا مرسل وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال : لما نزلت هذه الآية قال الصحابة : يا رسول الله إي نعيم نحن فيه ؟ وإنما نأكل في أنصاف بطوننا خبز الشعير فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه و سلم أن قل لهم : أليس تحتذون النعال وتشربون الماء البارد فهذا من النعيم وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وأحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن محمود بن لبيد قال : لما نزلت ﴿ ألهاكم التكاثر ﴾ فقرأ حتى بلغ ﴿ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ﴾ قالوا : يا رسول الله أي نعيم نسأل عنه ؟ وإنما هما الأسودان : الماء والتمر وسيوفنا على رقابنا والعدو حاضر فعن أي نعيم نسأل ؟ قال :[ أما إن ذلك سيكون ] وأخرجه عبد بن حميد والترمذي وابن مردويه من حديث أبي هريرة وأخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن المنذر وابن مردويه من حديث الزبير بن العوام وأخرجه أحمد في الزهد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن حبان وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :[ إن أول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة من النعيم أن يقال له : ألم نصح لك جسدك ونروك من الماء البارد ؟ ] وأخرج أحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن جابر بن عبد الله قال :[ جاءنا رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبو بكر وعمر فأطعمناهم رطبا وسقيناهم ماء فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هذا من النعيم الذي تسألون عنه ] وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه والبيهقي من حديث جابر بن عبد الله نحوه وأخرج مسلم وأهل السنن وغيرهم عن أبي هريرة قالا :[ خرج النبي صلى الله عليه و سلم فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال : ما أخرجكما من بيوتكما الساعة ؟ قالا : الجوع يا رسول الله قال : والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما فقوما فقاما معه فأتى رجلا من الأنصار فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت : مرحبا فقال النبي صلى الله عليه و سلم : أين فلان ؟ قالت : انطلق يستعذب لنا الماء إذ جاء الأنصاري فنظر إلى النبي صلى الله عليه و سلم وصاحبيه فقال : الحمد لله ما أحد اليوم أكم أضيافا مني فانطلق فجاء بعذق فيه بسر وتمر فقال : كلوا من هذا وأخذ المدية فقال له رسول الله : أياك والحلوب فذبح لهم فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لأبي بكر وعمر : والذي نفسي بيده لنسألن عن هذا النعيم يوم القيامة ] وفي الباب أحاديث اهـ