٢ - ﴿ ما أغنى عنه ماله وما كسب ﴾ أي ما دفع عنه ما حل به من التباب وما نزل به من عذاب الله ما جمع من المال ولا ما كسب من الأرباح والجاه أو المراد بقوله : ماله ما ورثه من أبيه وبقوله :﴿ وما كسب ﴾ الذي كسبه بنفسه قال مجاهد : وما كسب من ولد وولد الرجل من كسبه ويجوز أن تكون ما في قوله :﴿ ما أغنى ﴾ استفهامية : أي أي شيء أغنى عنه ؟ وكذا يجوز في قوله :﴿ وما كسب ﴾ أن تكون استفهامية : أي وأي شيء كسب ؟ ويجوز أن تكون مصدرية أي وكسبه والظاهر أن ما الأولى نافية والثانية موصولة
ثم أوعده سبحانه بالنار فقال : ٣ - ﴿ سيصلى نارا ذات لهب ﴾ قرأ الجمهور ﴿ سيصلى ﴾ بفتح الياء وإسكان الصاد وتخفيف اللام : أي سيصلى هو بنفسه وقرأ أبو رجاء وأبو حيوة وابن مقسم والأشهب العقيلي وأبو السماك والأعمش ومحمد بن السميفع بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام ورويت هذه القراءة عن ابن كثير والمعنى سيصليه [ الله ] ومعنى ﴿ ذات لهب ﴾ ذات اشتعال وتوقد وهي نار جهنم
٤ - ﴿ وامرأته حمالة الحطب ﴾ معطوف على الضمير في يصلى وجاز ذلك للفصل : أي وتصلى امرأته نارا ذات لهب وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان وكانت تحمل الغضى والشوك فتطرحه بالليل على طريق النبي صلى الله عليه و سلم كذا قال ابن زيد والضحاك والربيع بن أنس ومرة الهمداني وقال مجاهد وقتادة والسدي : إنها كانت تمشي بالنميمة بين الناس والعرب تقول : فلان يحطب على فلان : إذا نم به ومنه قول الشاعر :
( إني بني الأدرم حمالوا الحطب | هم الوشاة في الرضا والغضب ) |
وقال آخر :
( من البيض لم يصطد على ظهر لامة | ولم يمش بين الناس بالحطب الرطب ) |
٥ - ﴿ في جيدها حبل من مسد ﴾ الجملة في محل نصب على الحال من امرأته والجيد العنق والمسد الليف الذي تفتل منه الحبال ومنه قول النابغة :
( مقذوفة بدحيض النحض نازلها... له صريف صريف القعواء بالمسد )
وقول الآخر :
( يا مسد الخوص تعوذ مني... إن كنت لدنا لينا فإني )
وقال أبو عبيدة : المسد هو الحبل يكون من صوف وقال الحسن : هي حبال تكون من شجر ينبت باليمن تسمى بالمسد وقد تكون الحبال من جلود الإبل أو من أوبارها قال الضحاك : وغيره : هذا في الدنيا كانت تعير النبي صلى الله عليه و سلم بالفقير وهي تحتطب في حبل تجعله في عنقها فخنفها الله به فأهلكها وهو في الآخر حبل من نار وقال مجاهد وعروة بن الزبير : هو سلسلة من نار تدخل في فيها وتخرج من أسفلها وقال قتادة : هو قلادة من ودع كانت لها قال الحسن : إنما كان خرزا في عنقها وقال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة من جوهر فقالت : واللات والعزى لأنفقتها في عداوة محمد فيكون ذلك عذابا في جسدها يوم القيامة والمسد الفتل يقال : مسد حبله يمسده مسدا : أجاد فتله اهـ
وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال :[ لما نزلت ﴿ وأنذر عشيرتك الأقربين ﴾ خرج النبي صلى الله عليه و سلم حتى صعد الصفا فهتف يا صباحاه فاجتمعوا إليه فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب : تبا لك إنما جمعتنا لهذا ؟ ثم قام فنزلت هذه السورة ﴿ تبت يدا أبي لهب وتب ﴾ ] وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ تبت يدا أبي لهب ﴾ قال : خسرت وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت : إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ابنه من كسبه ثم قرأت ﴿ ما أغنى عنه ماله وما كسب ﴾ قالت : وما كسب ولده وأخرج عبد الرزاق والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله :﴿ وما كسب ﴾ قال : كسبه ولده وأخرج ابن جرير والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن ابن عباس في قوله :﴿ وامرأته حمالة الحطب ﴾ قال : كانت تحمل الشوك فتطرحه على طريق النبي صلى الله عليه و سلم ليعقره وأصحابه وقال :﴿ حمالة الحطب ﴾ نقالة الحديث ﴿ حبل من مسد ﴾ قال : هي حبال تكون بمكة ويقال : المسد العصا التي تكون في البكرة ويقال : المسد قلادة من ودع وأخرج ابن أبي حاتم وأبو زرعة عن أسماء بنت أبي بكر قالت [ لما نزلت ﴿ تبت يدا أبي لهب ﴾ أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول :
( مذمما أبينا... ودينه قلينا وأمره عصينا )
ورسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنها لن تراني وقرأ قرآنا اعتصم به كما قال تعالى :﴿ وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا ﴾ فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني قال : لا ورب البيت ما هجاك فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها ] وأخرجه البزار بمعناه وقال : لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد