٢٨ - ﴿ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ﴾ أي إرسالا ملتبسا بالهدى ﴿ ودين الحق ﴾ وهو الإسلام ﴿ ليظهره على الدين كله ﴾ أي يعليه على كل الأديان كما يفيده تأكيد الجنس وقيل ليظهر رسوله والأول أولى وقد كان ذلك بحمد الله فإن دين الإسلام قد ظهر على جميع الأديان وانقهر له كل أهل الملل ﴿ وكفى بالله شهيدا ﴾ الباء زائدة كما تقدم في غير موضع : أي كفى الله شهيدا على هذا الإظهار الذي وعد المسلمين به وعلى صحة نبوة نبيه صلى الله عليه و سلم
٢٩ - ﴿ محمد رسول الله ﴾ محمد مبتدأ ورسول الله خبره أو هو خبر مبتدأ محذوف ورسول الله بدل منه وقيل محمد مبتدأ ورسول الله نعت له ﴿ والذين معه ﴾ معطوف على المبتدأ وما بعده الخبر والأول أولى والجملة مبنية لما هو من جملة المشهود به والذين معه قيل هم أصحاب الحديبية والأولى الحمل على العموم ﴿ أشداء على الكفار ﴾ أي غلاظ عليهم كما يغلظ الأسد على فريسته وهو جمع شديد ﴿ رحماء بينهم ﴾ أي متوادون متعاطفون وهو جمع رحيم والمعنى : أنهم يظهرون لمن خالف دينهم الشدة والصلابة ولمن وافقه الرحمة والرأفة قرأ الجمهور برفع ﴿ أشداء ﴾ و ﴿ رحماء ﴾ على أنه خبر للموصول أو خبر لمحمد وما عطف عليه كما تقدم وقرأ الحسن بنصبهما على الحال أو المدح ويكون الخبر على هذه القراءة ﴿ تراهم ركعا سجدا ﴾ أي تشاهدهم حال كونهم راكعين ساجدين وعلى قراءة الجمهور هو خبر آخر أو استئناف : أعني قوله تراهم ﴿ يبتغون فضلا من الله ورضوانا ﴾ أي يطلبون ثواب الله لهم ورضاه عنهم وهذه الجملة خبر ثالث على قراءة الجمهور أو في محل نصب على الحال من ضمير تراهم وهكذا ﴿ سيماهم في وجوههم من أثر السجود ﴾ السيما العلامة وفيها لغتان المد والقصر : أي تظهر علامتهم في جباهم من أثر السجود في الصلاة وكثرة التعبد بالليل والنهار وقال الضحاك : إذا سهر الرجل أصبح مصفرا فجعل هذا هو السيما وقال الزهري : مواضع السجود أشد وجوههم بياضا يوم القيامة وقال مجاهد : هو الخشوع والتواضع وبالأول : أعني كونه ما يظهر في الجباه من كثرة السجود قال سعيد بن جبير ومالك وقال ابن جرير : هو الوقار وقال الحسن : إذا رأيتهم مرضى وما هم بمرضى وقيل هو البهاء في الوجه وظهور الأنوار عليه وبه قال سفيان الثوري : والإشارة بقوله :﴿ ذلك ﴾ إلى ما تقدم من هذه الصفات الجليلة وهو مبتدأ وخبره قوله :﴿ مثلهم في التوراة ﴾ أي وصفهم الذي وصفوا به في التوراة ووصفهم الذي وصفوا به ﴿ في الإنجيل ﴾ وتكرير ذكر المثل لزيادة تقريره وللتنبيه على غرابته وأنه جار مجرى الأمثال في الغرابة ﴿ كزرع أخرج شطأه ﴾ الخ كلامه مستأنف : أي هم كزرع الخ وقيل هو تفسير لذلك على أنه إشارة مبهمة لم يرد به ما تقدم من الأوصاف وقيل هو خبر لقوله :﴿ ومثلهم في الإنجيل ﴾ أي ومثلهم في الإنجيل كزرع قال الفراء : فيه وجهان : إن شئت قلت ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل : يعني كمثلهم في القرآن فيكون الوقف على الإنجيل وإن شئت قلت ذلك مثلهم في التوراة ثم تبتدئ ومثلهم في الإنجيل كزرع قرأ الجمهور ﴿ شطأه ﴾ بسكون الطاء وقرأ ابن كثير وابن ذكوان بفتحها وقرأ أنس نصر بن عاصم ويحيى بن وثاب شطاه كعصاه وقرأه الجحدي وابن أبي إسحاق شطه بغير همزة وكلها لغات قال الأخفش والكسائي : شطأه : أي طرفه قال الفراء : شطأ الزرع فهو مشطئ إذا خرج قال الزجاج :﴿ أخرج شطأه ﴾ : أي نباته وقال قطرب : الشطأ سوي السنبل وروي عن الفراء أيضا أنه قال : هو السنبل وقال الجوهري : شطأ الزرع والنبات والجمع أشطاء وقد أشطأ الزرع خرج شطؤه ﴿ فآزره ﴾ أي قواه وأعانه وشده قيل المعنى : إن الشطأ قوى الزرع وقيل إن الزرع قوي الشطأ ومما يدل على أن الشطأ خروج النبات قول الشاعر :
( أخرج الشطأ على وجه الثرى | ومن الأشجار أفنان الثمر ) |
( بمحنية قد آزر النضال نبتها | بجر جيوش غانمين وخيب ) |
وقد أخرج أحمد والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : نحروا يوم الحديبية سبعين بدنة فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها وأخرج الحسن بن سفيان وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن قانع والبارودي والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند جيد عن أبي جمعة حنيذ بن سبع قال :[ قابلت رسول الله صلى الله عليه و سلم أول النهار كافرا وقابلت معه آخر النهار مسلما وفينا نزلت ﴿ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات ﴾ وكنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتان ] وفي رواية عند ابن أبي حاتم :[ كنا ثلاثة رجال وتسع نسوة ] وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس ﴿ لولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم ﴾ قال : حين ردوا النبي صلى الله عليه و سلم ﴿ أن تطئوهم ﴾ بقلتكم إياهم ﴿ لو تزيلوا ﴾ يقول :[ لو تزيل الكفار من المؤمنين لعذبهم الله عذابا أليما بقلتكم إياهم ] وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سهل بن حنيف أنه قال : يوم صفين اتهموا أنفسكم فلقد رأيتنا يوم الحديبية : يعني الصلح الذي كان بين النبي صلى الله عليه و سلم وبين المشركين ولو نرى قتالا لقاتلنا فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ قال : بلى قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال :[ يا ابن الخطاب إني رسول الله ولم يضيعني الله أبدا فرجع متغيظا فلم يصبر حتى جاء أبا بكر فقال : يا أبا بكر ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ قال بلى قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلانهم في النار ؟ قال بلى قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ؟ قال : يا ابن الخطاب إنه رسول الله ولم يضيعه الله أبدا فنزلت سورة الفتح فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عمر فأقرأه إياها قال : يا رسول الله أفتح هو ؟ قال : نعم ] وأخرج الترمذي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن جرير والدارقطني في الإفراد وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه و سلم ﴿ وألزمهم كلمة التقوى ﴾ قال : لا إله إلا الله وفي إسناده الحسن بن قزعة قال الترمذي بعد إخراجه : حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه وكذا قال أبو زرعة وأخرج ابن مردويه عن سلمة بن الأكوع مرفوعا مثله وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس نحوه وأخرج ابن أبي حاتم والدارقطني في الأفراد عن المسور بن مخرمة ومروان نحوه وروي عن جماعة من التابعين نحو ذلك وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس ﴿ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ﴾ قال : هو دخول محمد البيت والمؤمنين محلقين ومقصرين وقد ورد في الدعاء للمحلقين والمقصرين في الصحيحين وغيرهما أحاديث منها ما قدمنا الإشارة إليه وهو في الصحيحين من حديث ابن عمر وفيهما من حديث أبي هريرة أيضا وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله :﴿ سيماهم في وجوههم ﴾ قال : أما إنه ليس الذي يرونه ولكنه سيما الإسلام وسمته وخشوعه وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال : هو السمت الحسن وأخرج الطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه قال السيوطي بسند حسن عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوله :﴿ سيماهم في وجوههم من أثر السجود ﴾ قال : النور يوم القيامة وأخرج البخاري في تاريخه وابن نصر عن ابن عباس في الآية قال : بياض يغشى وجوههم يوم القيامة وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس ﴿ ذلك مثلهم في التوراة ﴾ يعني نعتهم مكتوب في التوراة والإنجيل قبل أن يخلق الله السموات والأرض وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أنس ﴿ كزرع أخرج شطأه ﴾ قال : نباته فروخه