وكانت مريم اذا نفذ ماؤها وماء يوسف أخذا قلتيهما ثم انطلقا إلى المفازة التي فيها الماء فيملآن قلتيهما ثم يرجعان إلى الكنيسة والملائكة مقبلة على مريم بالبشارة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك فكان يعجب يوسف ما يسمع
فلما استبان ليوسف حمل مريم وقع في نفسه من أمرها حتى كاد أن يفتتن فلما أراد أن يتهمها في نفسه ذكر ما طهرها الله واصطفاها وما وعد الله أمها أنه يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم وما سمع من قول الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك فذكر الفضائل التي فضلها الله تعالى بها وقال : إن زكريا قد أحرزها في المحراب فلا يدخل عليها أحد وليس للشيطان عليها سبيل فمن أين هذا ؟ فلما رأى من تغير لونها وظهور بطنها عظم ذلك عليه فعرض لها فقال : يا مريم هل يكون زرع من غير بذر ؟ قالت : نعم
قال : وكيف ذلك ؟ ! قالت : إن الله خلق البذرالأول من غير نبات وأنبت الزرع الأول من غير بذر ولعلك تقول : لولا أنه استعان عليه بالبذر لغلبه حتى لا يقدر على أن يخلقه ولا ينبته
قال يوسف : أعوذ بالله أن أقول ذلك قد صدقت وقلت بالنور والحكمة وكما قدر أن يخلق الزرع الأول وينبته من غير بذر يقدر على أن يجعل زرعا من غير بذر فأخبريني هل ينبت الشجر من غير ماء ولا مطر ؟ قالت : ألم تعلم أن للبذور والزرع والماء والمطر والشجر خالقا واحدا ! فلعلك تقول لولا الماء والمطر لم يقدر على أن ينبت الشجر
قال : أعوذ بالله أن أقول ذلك ! قد صدقت
فأخبريني هل يكون ولد أو رجل من غير ذكر ؟ قالت : نعم
قال : وكيف ذلك ؟ قالت : ألم تعلم أن الله خلق آدم وحواء امرأته من غير حبل ولا أنثى ولا ذكر قال : بلى
فأخبريني خبرك ؟ قالت : بشرني الله بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم إلى قوله ومن الصالحين فعلم يوسف أن ذلك أمر من الله لسبب خير أراده بمريم فسكت عنها
فلم تزل على ذلك حتى ضربها الطلق فنوديت : أن اخرجي من المحراب فخرجت
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك قال : شافهتها الملائكة بذلك
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله يبشرك بكلمة منه قال : عيسى هو الكلمة من الله


الصفحة التالية
Icon