$ الجزء الأول الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ ﴾. فِيهَا أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ نُخْبَتُهَا اثْنَانِ : الْأَوَّلُ : أَنَّ الْبَاغِيَ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ الطَّالِبُ لِخَيْرٍ كَانَ أَوْ لِشَرٍّ، إلَّا أَنَّهُ خُصَّ هَاهُنَا بِطَالِبٍ الشَّرِّ، وَمِنْ طَالِبِ الشَّرِّ الْخَارِجُ عَلَى الْإِمَامِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ. وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى ﴾. وَالْعَادِي، وَهُوَ : الْمُجَاوِزُ مَا يَجُوزُ إلَى مَا لَا يَجُوزُ، وَخُصَّ هَاهُنَا بِقَاطِعِ السَّبِيلِ، وَقَدْ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَابْنُ جُبَيْرٍ < ٨٥ > الثَّانِي : أَنَّ الْبَاغِيَ آكِلُ الْمَيْتَةِ فَوْقَ الْحَاجَةِ، وَالْعَادِي آكِلُهَا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ : مِنْهُمْ قَتَادَةُ، وَالْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ. وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعَادِيَ بَاغٍ، فَلَمَّا أَفْرَدَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالذِّكْرِ تَعَيَّنَ لَهُ مَعْنًى غَيْرُ مَعْنَى الْآخَرِ، لِئَلَّا يَكُونَ تَكْرَارًا يَخْرُجُ عَنْ الْفَصَاحَةِ الْوَاجِبَةِ لِلْقُرْآنِ. وَالْأَصَحُّ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنَّ مَعْنَاهُ غَيْرُ طَالِبٍ شَرًّا، وَلَا مُتَجَاوِزٍ حَدًّا، فَأَمَّا قَوْلُهُ :" غَيْرُ طَالِبٍ شَرًّا " فَيَدْخُلُ تَحْتَهُ كُلُّ خَارِجٍ عَلَى الْإِمَامِ، وَقَاطِعٍ لِلطَّرِيقِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ. وَأَمَّا " غَيْرُ مُتَجَاوِزٍ حَدًّا " فَمَعْنَاهُ غَيْرُ مُتَجَاوِزٍ حَدَّ الضَّرُورَةِ إلَى حَدِّ الِاخْتِيَارِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الشِّبَعِ، كَمَا قَالَهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ، وَلَكِنْ مَعَ النُّدُورِ لَا مَعَ التَّمَادِي ; { فَإِنَّ