لِلْوَلِيِّ، قِيلَ لَهُ : إنْ أَعْطَاك أَخُوك الْقَاتِلُ الدِّيَةَ الْمَعْرُوفَةَ فَاقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَاتَّبِعْهُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ : تَفْسِيرُهُ إذَا أَسْقَطَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ، وَعَيَّنَ لَهُ مِنْ الْوَاجِبِينَ لَهُ الدِّيَةُ فَاتَّبِعْهُ عَلَى ذَلِكَ أَيُّهَا الْجَانِي عَلَى هَذَا الْمَعْرُوفِ، وَأَدِّ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ. وَهَذَا يَدُورُ عَلَى حَرْفٍ، وَهُوَ مَعْرِفَةُ تَفْسِيرِ الْعَفْوِ، وَلَهُ فِي اللُّغَةِ خَمْسَةُ مَوَارِدَ : الْأَوَّلُ : الْعَطَاءُ، يُقَالُ : جَادَ بِالْمَالِ عَفْوًا صَفْوًا، أَيْ مَبْذُولًا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ. الثَّانِي : الْإِسْقَاطُ، وَنَحْوُهُ :﴿ وَاعْفُ عَنَّا ﴾ ﴿ وَعَفَوْت لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ ﴾. < ٩٧ > الثَّالِثُ : الْكَثْرَةُ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ﴿ حَتَّى عَفَوْا ﴾ أَيْ كَثُرُوا، وَيُقَالُ : عَفَا الزَّرْعُ، أَيْ طَالَ. الرَّابِعُ : الذَّهَابُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ : عَفَتْ الدِّيَارُ. الْخَامِسُ : الطَّلَبُ، يُقَالُ : عَفَّيْتُهُ وَأَعْفَيْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ : مَا أَكَلَتْ الْعَافِيَةُ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ : تَطُوفُ الْعُفَاةُ بِأَبْوَابِهِ كَطَوْفِ النَّصَارَى بِبَيْتِ الْوَثَنِ وَإِذَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي الْمُتَعَدِّدَةِ وَجَبَ عَرْضُهَا عَلَى مَسَاقِ الْآيَةِ، وَمُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ ; فَاَلَّذِي يَلِيقُ بِذَلِكَ مِنْهَا الْعَطَاءُ أَوْ الْإِسْقَاطُ ; فَرَجَّحَ الشَّافِعِيُّ الْإِسْقَاطَ ; لِأَنَّهُ ذُكِرَ قَبْلَهُ الْقِصَاصُ، وَإِذَا ذُكِرَ الْعَفْوُ بَعْدَ الْعُقُوبَةِ كَانَ فِي الْإِسْقَاطِ أَظْهَرُ. وَرَجَّحَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ الْعَطَاءَ ; لِأَنَّ الْعَفْوَ إذَا كَانَ بِمَعْنَى الْإِسْقَاطِ وُصِلَ