$ الجزء الثاني < ٧٤ > الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ : اُخْتُلِفَ فِيهِمَا ; فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجَمَاعَةُ : إنَّهُمَا الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ فِي الْمِفْصَلِ بَيْنَ السَّاقِ وَالرِّجْلِ. وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ : إنَّهُمَا الْعَظْمَاتُ النَّاتِئَانِ فِي وَجْهِ الْقَدَمِ ; وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ. وَقَالَ الْخَلِيلُ : الْكَعْبُ هُوَ الَّذِي بَيْنَ السَّاقِ وَالْقَدَمِ. وَالْعَقِبُ هُوَ مَعْقِدُ الشِّرَاكِ، وَتَقْتَضِي لُغَةُ الْعَرَبِ أَنَّ كُلَّ نَاتِئٍ كَعْبٌ، يُقَالُ : كَعْبُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ إذَا بَرَزَ عَنْ صَدْرِهَا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الَّذِي يُعْقَدُ فِيهِ الشِّرَاكُ، لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ لَيْسَ مَشْهُورًا فِي اللُّغَةِ. وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَا يَتَحَصَّلُ بِهِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَايَةٍ لَهُمَا وَلَا بِبَعْضِ مَعْلُومٍ مِنْهُمَا، وَالْإِحَالَةُ عَلَى الْمَجْهُولِ فِي التَّكْلِيفِ لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْبَيَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا، وَلَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةٌ ; فَبَطَلَ ; بَلْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِضِدِّهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ : وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ مِنْ النَّارِ ﴾. وَهَذَا يُبْطِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْقِدُ الشِّرَاكِ حِذَاءَهُ لَا فَوْقَهُ، يَعْضُدُهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ :﴿ وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ وَلَوْ قَالَ : أَرَادَ مَعْقِدَ الشِّرَاكِ لَقَالَ إلَى الْكِعَابِ، كَمَا قَالَ :﴿ إنْ تَتُوبَا إلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ﴾ لَمَّا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ


الصفحة التالية
Icon