$ الجزء الثاني الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ : ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ وَتَرْتِيبَهَا وَأَمَرَ بِغَسْلِهَا مُعَقَّبَةً، فَهَلْ يَلْزَمُ كُلَّ مُكَلَّفٍ أَنْ تَكُونَ مَفْعُولَةً مَجْمُوعَةً فِي الْفِعْلِ كَجَمْعِهَا فِي الذِّكْرِ، أَوْ يُجْزِئُ التَّفْرِيقُ فِيهَا ؟ فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكِتَابِ مُحَمَّدٍ : إنَّ التَّوَالِيَ سَاقِطٌ ; وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ : إنْ فَرَّقَهُ مُتَعَمِّدًا لَمْ يُجْزِهِ، وَيُجْزِيهِ نَاسِيًا. وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ : لَا يُجْزِيهِ نَاسِيًا وَلَا مُتَعَمِّدًا. وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ : يُجْزِيهِ فِي الْمَغْسُولِ وَلَا يُجْزِيهِ فِي الْمَمْسُوحِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ : يُجْزِيهِ نَاسِيًا وَمُتَعَمِّدًا. فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ الْأَصْلُ فِيهَا : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ أَمْرًا مُطْلَقًا فَوَالِ أَوْ فَرِّقْ، وَلَيْسَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْفَوْرِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَوْرِ الْأَمْرُ بِأَصْلِ الْوُضُوءِ خَاصَّةً. وَالْأَصْلُ الثَّانِي : أَنَّهَا عِبَادَةٌ ذَاتُ أَرْكَانٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَوَجَبَ فِيهَا التَّوَالِي كَالصَّلَاةِ، وَبِهَذَا نَقُولُ : إنَّهُ يَلْزَمُ الْمُوَالَاةُ مَعَ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ كَالصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا، فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ. وَأَمَّا مُتَعَلِّقُ الْفَرْقِ بَيْنَ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ فَإِنَّ التَّوَالِيَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الطَّهَارَةِ، فَافْتَرَقَ فِيهَا الذِّكْرُ وَالنِّسْيَانُ، كَالتَّرْتِيبِ. وَاعْتِبَارُ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْعِبَادَةِ بِصِفَةٍ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ عِبَادَةٍ بِعِبَادَةٍ.


الصفحة التالية
Icon