$ الجزء الثاني الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ ﴾ : تَعَلَّقَ بِهَذَا مَنْ قَالَ : إنَّ ابْنَيْ آدَمَ كَانَا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُمْ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ جَرَى قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَخْلُ زَمَانُ آدَمَ وَلَا زَمَنُ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ شَرْعٍ. وَأَهَمُّ قَوَاعِدِ الشَّرَائِعِ حِمَايَةُ الدِّمَاءِ عَنْ الِاعْتِدَاءِ وَحِيَاطَتُهُ بِالْقِصَاصِ كَفًّا وَرَدْعًا لِلظَّالِمِينَ وَالْجَائِرِينَ وَهَذَا مِنْ الْقَوَاعِدِ الَّتِي لَا تَخْلُو عَنْهَا الشَّرَائِعُ وَالْأُصُولُ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ فِيهَا الْمِلَلُ ; وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّهُ بَنِي إسْرَائِيلَ بِالذِّكْرِ لِلْكِتَابِ فِيهِ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَنْزِلُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ الْمِلَلِ وَالشَّرَائِعِ كَانَ قَوْلًا مُطْلَقًا غَيْرَ مَكْتُوبٍ، بَعَثَ اللَّهُ إبْرَاهِيمَ فَكَتَبَ لَهُ الصُّحُفَ، وَشَرَعَ لَهُ دِينَ الْإِسْلَامِ، وَقَسَّمَ وَلَدَيْهِ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ، فَوَضَعَ اللَّهُ إسْمَاعِيلَ بِالْحِجَازِ مُقَدِّمَةً لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْلَاهَا عَنْ الْجَبَابِرَةِ تَمْهِيدًا لَهُ، وَأَقَرَّ إِسْحَاقَ بِالشَّامِ، وَجَاءَ مِنْهُ يَعْقُوبُ وَكَثُرَتْ الْإِسْرَائِيلِيَّة، فَامْتَلَأَتْ الْأَرْضُ بِالْبَاطِلِ فِي كُلِّ فَجٍّ، وَبَغَوْا ; فَبَعَثَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مُوسَى وَكَلَّمَهُ وَأَيَّدَهُ بِالْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ، وَخَطَّ لَهُ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَأَمَرَهُ بِالْقِتَالِ، وَوَعَدَهُ النَّصْرَ، وَوَفَّى لَهُ بِمَا وَعَدَهُ، وَتَفَرَّقَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ بِعَقَائِدِهَا، وَكَتَبَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ فِي التَّوْرَاةِ الْقِصَاصَ


الصفحة التالية
Icon