$ الجزء الثاني < ١٥٧ > الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْكِتَابِ الْخِلَالَ الثَّلَاثَ مُخَيِّرًا فِيهَا، وَعَقَّبَ عِنْدَ عَدَمِهَا بِالصِّيَامِ فَالْخُلَّةُ الْأُولَى هِيَ الْإِطْعَامُ ( كَفَّارَةُ الْيَمِينِ )، وَبَدَأَ بِهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ الْأَفْضَلَ فِي بِلَادِ الْحِجَازِ لِغَلَبَةِ الْحَاجَةِ فِيهَا عَلَى الْخَلْقِ، وَعَدَمِ شِبَعِهِمْ. وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ عَلَى التَّخْيِيرِ ; وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ مِنْ خِلَالِهَا ( كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ). وَعِنْدِي أَنَّهَا تَكُونُ بِحَسَبِ الْحَالِ ; فَإِنْ عَلِمْت مُحْتَاجًا فَالْإِطْعَامُ أَفْضَلُ ; لِأَنَّك إذَا أَعْتَقْت لَمْ تَرْفَعْ حَاجَتَهُمْ وَزِدْت مُحْتَاجًا حَادِيَ عَشَرَ إلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ تَلِيه، وَلَمَّا عَلِمَ اللَّهُ [ غَلَبَةَ ] الْحَاجَةِ بَدَأَ بِالْمُهِمِّ الْمُقَدَّمِ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ﴾ وَقَوْلُهُ :﴿ تُطْعِمُونَ ﴾ يَحْتَمِلُ طَعَامَهُمْ بَقِيَّةَ عُمْرِهِمْ، وَيَحْتَمِلُ غَدَاءً وَعَشَاءً ; وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَكْلَةِ الْيَوْمِ وَسَطًا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَشِبَعًا فِي غَيْرِهَا، إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : تَتَقَدَّرُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِي الْبُرِّ بِنِصْفِ صَاعٍ، وَفِي التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ بِصَاعٍ. وَأَصْلُ الْكَلَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْوَسَطَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْأَعْلَى وَالْخِيَارِ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ أَيْ عُدُولًا خِيَارًا. وَيَنْطَلِقُ عَلَى مَنْزِلَةٍ بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ، وَنِصْفًا بَيْنَ


الصفحة التالية
Icon