$ الجزء الثاني الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : لَمَّا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ :﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ﴾ تَضَمَّنَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ بَنُو إسْرَائِيلَ، فَهَلْ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ ؟ يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَدْعُهُ النَّبِيُّ فَاتَّبَعَهُ، هَلْ يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ مِنْ دُعَائِهِ أَمْ لَا ؟ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي مَوْضِعِهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرْعٍ دَخَلَ فِي حُكْمِهِمْ، أَوْ كَانَ عَلَى شَرْعٍ دُرِسَ عَنْهُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ مِنْ الْعَرَبِ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ ; فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ، وَأَلْحَقَهُمْ بِالْكِتَابِيِّينَ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ﴾، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَرَأَ الشَّعْبِيُّ :﴿ وَمَا كَانَ رَبُّك نَسِيًّا ﴾. وَقَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَقَالَ : لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إشَارَةً إلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ تَعَلُّقِهِمْ بِاللَّفْظِ ; وَبِهَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ. وَعَنْ عُلَمَائِنَا رِوَايَتَانِ : إحْدَاهُمَا مَا تَقَدَّمَ. وَالثَّانِيَةُ : لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَعَلِيٌّ. وَقَالَ : لِأَنَّهُمْ لَا يُحَلِّلُونَ مَا تُحَلِّلُ النَّصَارَى وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا يُحَرِّمُونَ. وَهَذَا دَلِيلُ أَنَّهُ لَمْ يُلْحِقْهُمْ بِهِمْ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَوَلَّوْهُمْ، وَلَا دَانُوا بِدِينِهِمْ، وَلَوْ تَعَلَّقُوا بِهِ لَوَافَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي حَالِهِمْ وَحُكْمِهِمْ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ


الصفحة التالية
Icon