تَرْكَ الثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَجْزَأَهُ : قَرِيبٌ مِمَّا قَبْلَهُ، إلَّا أَنَّهُ رَأَى الثُّلُثَ يَسِيرًا، فَجَعَلَهُ فِي حَدِّ الْمَتْرُوكِ لَمَّا رَأَى الشَّرِيعَةَ سَامَحَتْ بِهِ فِي الثُّلُثِ وَغَيْرِهِ. وَمَطْلَعُ مَنْ قَالَ : إنْ مَسَحَ ثُلُثَهُ أَجْزَأَهُ إلَى أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ أَطْلَقَ اسْمَ الْكَثِيرِ عَلَى الثُّلُثِ فِي قَوْلِهِ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ :" الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ". < ٦٣ > وَلُحِظَ مَطْلَعُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّاصِيَةِ حَسْبَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فِي تَعَلُّقِ الْعِبَادَاتِ بِالظَّاهِرِ. وَمَطْلَعُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي أَنَّ مَنْ مَسَحَ مُقَدِّمَةً أَجْزَأَهُ إلَى نَحْوٍ مِنْ ذَلِكَ تَنَاصُفٌ لَيْسَ يَخْفَى عَلَى اللَّبِيبِ عِنْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَالْأَنْحَاءِ الْمُطَلَّعَاتِ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَخْرُجْ اجْتِهَادُهُمْ عَنْ سَبِيلِ الدَّلَالَاتِ فِي مَقْصُودِ الشَّرِيعَةِ، وَلَا جَاوَزُوا طَرَفَيْهَا إلَى الْإِفْرَاطِ ; فَإِنَّ لِلشَّرِيعَةِ طَرَفَيْنِ : أَحَدُهُمَا : طَرَفُ التَّخْفِيفِ فِي التَّكْلِيفِ. وَالْآخَرُ : طَرَفُ الِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَاتِ. فَمَنْ احْتَاطَ اسْتَوْفَى الْكُلَّ، وَمَنْ خَفَّفَ أَخَذَ بِالْبَعْضِ. قُلْنَا : فِي إيجَابِ الْكُلِّ تَرْجِيحٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهُمَا : الِاحْتِيَاطُ. الثَّانِي : التَّنْظِيرُ بِالْوَجْهِ، لَا مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ ; بَلْ مِنْ مُطْلَقِ اللَّفْظِ فِي ذِكْرِ الْفِعْلِ وَهُوَ الْغَسْلُ أَوْ الْمَسْحُ، وَذِكْرِ الْمَحَلِّ ; وَهُوَ الْوَجْهُ أَوْ الرَّأْسُ. الثَّالِثُ : أَنَّ كُلَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ


الصفحة التالية
Icon