طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّ < ٥ > الضَّرُورَةَ تَدْعُو إلَيْهِ ; فَإِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ بِهِ وَسَطَ الْأَرْضِ، فَانْفَلَقَتْ، وَجَعَلَ الْخَلْقَ فِي الْعُدْوَتَيْنِ، وَقَسَّمَ الْمَنَافِعَ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ، وَلَا يُوصَلُ إلَى جَلْبِهَا إلَّا بِشَقِّ الْبَحْرِ [ لَهَا ]، فَسَهَّلَ اللَّهُ سَبِيلَهُ بِالْفُلْكِ، وَعَلَّمَهَا نُوحًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِرَاثَةً فِي الْعَالَمِينَ بِمَا أَرَاهُ جِبْرِيلُ، وَقَالَ لَهُ : صَوِّرْهَا عَلَى جُؤْجُؤِ الطَّائِرِ، فَالسَّفِينَةُ طَائِرٌ مَقْلُوبٌ، وَالْمَاءُ فِي اسْتِفَالِهِ لِلسَّفِينَةِ نَظِيرُ الْهَوَاءِ فِي اعْتِلَائِهِ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : أَمَّا الْقُرْآنُ فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ رُكُوبِ الْبَحْرِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ [ اللَّذَانِ جَلَبْنَاهُمَا فَيَدُلُّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى جَوَازِ رُكُوبِ الْبَحْرِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ كَوْنِهِ فِي الْغَزْوِ، وَهِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ أَجَازَهَا مَعَ ] مَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ، وَلَكِنَّ الْغَالِبَ مِنْهُ السَّلَامَةُ ; لِأَنَّ الَّذِينَ يَرْكَبُونَهُ لَا حَاصِرَ لَهُمْ، وَاَلَّذِينَ يَهْلِكُونَ فِيهِ مَحْصُورُونَ. الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ ﴾ : فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهَا : يَرْكَبُونَ ظَهْرَهُ عَلَى الْفُلْكِ رُكُوبَ الْمُلُوكِ الْأَسِرَّةَ عَلَى الْأَرْضِ. الثَّانِي : يَرْكَبُونَ الْفُلْكَ لِسَعَةِ الْحَالِ وَالْمِلْكِ كَأَنَّهُمْ أَهْلُ الْمُلْكِ. وَيُعَارِضُ هَذَا قَوْله تَعَالَى :﴿ أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ ﴾ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ