﴿ قُلْنَا اهبطوا مِنْهَا جَمِيعاً.. ﴾ أي آدم وحوّاء وابليس، فقد انتهى طور النعيم الخالص الذي كنتم فيه، وادخلوا في طور لكم فيه طريقان : هدًى وايمان، وضلال وخسران؛ ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى ﴾ عن طريق رسولٍ مرشد وكتاب مبين فإن لكم الخيار. فمن تبع هداي الذي أشرعه وسلَكَ صراطي المستقيم الذي أوضحه ﴿ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ من وسوسة الشيطان وما يعقبها من الشقاء والعذاب بعد يوم الحساب والعرض على الملك الديّان، ﴿ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ على فوت مطلوب أو فقد محبوب، لأنهم يعلمون بهذه الهداية ان الصبر والتسليم مما يرضى الله ويوجب مثوبته، فيكون لهم من ذلك خير عوض عما فاتهم، وأفضل تعزية عما فقدوه.
والهبوط في « اهبطوا » أصله الانحدار على سبيل القهر، ويجوز أن يُقصد به هنا مجرد الانتقال كما في قوله تعالى :« اهبطوا مصراً » أي ارتحِلوا اليها.
وقد أمر الله تعالى آدم وحواء وإبليس بالهبوط مرّتين :
الاولى، للاشارة الى أنهم يهبطون من الجنة الى دار بلاء وشقاء، ودار استقرار في الأرض للتمتع بخيراتها الى حين.
والثانية، لبيان حالهم من حيث الطاعة والمعصية، وانهم ينقسمون فريقين : فريق يهتدي بهدى الله الذي أنزله وبلّغه للناس على لسان رسُله، وفريق سار في الضلال وكذّب بالآيات، فحق جزاؤهم في جهنم خالدين فيها أبدا. وهم المشار اليهم بقوله تعالى :﴿ والذين كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.
والآيات جمع آية : وهي العلامة الظاهرة، وكل ما يدل الإنسانَ ويرشده.