الكعبة : هي البيت الحرام بمكة. قياما : ما يقوم به أمر الناس. الشهر الحرام : ذو الحجة. الهَدي : ما يُهدى الى الحرم من الأنعام. القلائد : الأنعام التي كانوا يزينونها بقلائد اذا ساقوها هَديا، وخصها بالذكر لعظم شأنها.
جاءت هذه الآية استكمالاً للسياق السابق، فلقد حرّم الله في الآية المتقدمة الصيد على المحرِم، باعتبار الحرم موطن أمنٍ للوحش والطير، فالأَولى إذن ان يكون موطن أمن للناس من الآفات والمخاوف، وسبباً لحصول الخير والسعادة للناس في الدنيا الآخرة.
ان الله جعل الكعبة التي هي البيت الحرام مانعاً وحاجزاً تؤمّن الناس، أرواحَهم ومصالحهم ومنافعهم في معاشهم، بها يلوذ الخائف، ويأمن فيه الضعيف، ويربح التاجر، ويتوجه اليها الحجاج والمعتمرون.
فمعنى « قياما » المانع الذي به يكون صلاح الناس، كالحكومة التي بها قوام الرعية، ترعاهم وتحجز ظالمهم، وتدفع عنهم المكروه. كذلك هي الكعبة والشهر الحرام والهَدي والقلائد قوام العرب الذي كان به صلاحهم في الجاهلية.
فقد كان الرجل لو فعل اكبر جريمة ثم لجأ الى الحرم لم يُتناول، ولو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يَعرِض له أو يقربه، ولو لقي الهديَ مقلَّدا، وهو يأكل العصَب من الجوع لم يقربْه. كان الرجل اذا اراد البيت تقلّد قلادة من شَعر فَحَمَتْه من الناس، وإذا عاد من الحج تقلد قلادة من الأّذْخر أو السَمُر فمنعته من الناس حتى يأتيَ أهله.
الاذخِر : نبات كيب الريح : السَّمُر : مفمردها سَمُرة، شجر الطَّلح.
وهي في الاسلام معالم حجَ الناس، ومناسكهم، فهم في ضيافة الله اذ ذاك، فليعلموا على جمع شملهم، ويتجهوا اليه في صلاتهم. أما الهدي فقد جعله تعالى سبباً لقيام الناس، لأنه يُهدى الى البيت ويًُذبح ويفرَّق لحمه على الفقراء.. بذلك يكون نسكا للمُهدي، وقياماً لمعيشة الفقراء.
﴿ ذلك لتعلموا أَنَّ الله يَعْلَمُ.... وَأَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
ان ذلك التدبير اللطيف من الله تعالى إنما جعله كي توقنوا أن علمه محيط بما في السماوات وما في الارض، فهو يشرّع لمن فيهما بما يحفظهم ويقوم بمصالحهم. فإذا احست قلوب الناس رحمةَ الله في شريعته، وتذوقت جمال هذا التطابق بينها وبين فطرتهم، أدركوا يقيناً ان الله بكل شيء عليم.
قراءات :
قرأ ابن عامر « قِيَما » وقرأ الباقون « قياما » كما هو هنا في المصحف.