يركمُه : يجعل بعضه فوق بضه.
لما اصيبت قريش يوم بدر، ورجع فلُّهم إلى مكة، ورجع أبو سفيان بقافلته- مشى رجال أصيب آباؤهم وأبناؤهم وأبناؤهم وإخوانهم ببدر، فكلَّموا أبا سفيان، ومن كانت له في تلك القافلة تجارة، قاولا : يا معشر قريش، إنَّ محمداً قد رزأكم، وقتل خِياركم، فأعينونا بهذا المال على حربه، لعلنّا ندرك منه ثأراً بمن أُصيب منا. ففعلوا، وجمعوا ما استطاعوا من المال، وموّلوا به غزوة أحد فنزلت فيهم.
إن هؤلاء الكفار الذي جحدوا آيات الله وأشركوا به، ينفقون أموالهم لمينعوا الناس عن الإيمان بالله واتّباع رسوله.. انهم سينفقون هذه الأموال لتكون حسرة عليهم، ولن تفيدهم شيئا، وسيُغلَبون في ساحة القتال في الدنيا ثم يساقون يوم القيامة الى جهنّم وستكون تلك هي الحسرة الكبرى لهم.
وليس ما حدَثَ قبل بدرٍ وبعدها إلا أنموذجاً من الأسلوب التقليدي لأعداء هذا الدين وقد استمرَ العداء منذ فجر الدعوة ولا يزال، ومن الشرق والغرب، فلم يتركوا وسيلة الا تخذوها ليهاجموا الإسلام والمسلمين، واللهُ سبحانه وتعالى حفظ هذا الدين، وسيُبقيهِ عاليا الى أن يرِث الأرضَ ومن عليها.
﴿ لِيَمِيزَ الله الخبيث مِنَ الطيب ﴾ لقد كتب تعالى النصر لعبادة المتقين والخذلان والحسرة لمن يعاديهم من الكفار، ليميز الكفرَ من الايمان، والحق والعدل من الجور والطغيان، وليجعل الخبيث بعضهَ فوق بعض، ثم يجعل اصحابه في جهنم، وهم الخاسرون في الدنيا والآخرة.
قراءات :
قرأ حمزة والكسائي :« لِيُمَيِّز » بالتشديد والباقون لِيَميزَ كما هو في المصحف.
﴿ قُل لِلَّذِينَ كفروا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ ﴾ ان باب الرجاء مفتوح في الاسم دائما، والفرصة أمامهم سانحة لينهوا عَمَّا هم فيه من الصدّ عن سبيل الله، وليتوبوا ويرجعوا الى الله، والله واسع المغفرة يغفر ما سبق من اعمالهم، والاسلام يجُبُّ ما قبله. أما اذا عادوا بد هذا البيان الى كفرهم، فإن سنّة الله في الأولين قد مضت، وهي ان يعذب المكذّبين، ويهب اولياءه النصر والعزّ التزموا بأوامر الشرع.
ويتجه الحديث الى المؤمنين :
﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.
استمِروا أيها المؤمنون في قتال المشركين حتى تزول الفتنةُ في الدين، ويمتنعوا عن إفسادهم لعقائد المؤمنين بالاضطهاد والأذى، فإن رجعوا عن الكفر وخلَصَ الدين لله، فإن الله تعالى عليمٌ بأعمالهم ومُجازيهم على ما فعلوا.
﴿ وَإِن تَوَلَّوْاْ فاعلموا أَنَّ الله مَوْلاَكُمْ نِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير ﴾.
وإن استمرّوا على إعراضهم وإيذائهم للمؤمنينَ بعدَ بيان الرسول فاثبتُوا لهم أيّها المسلمون، واعلموا أنكم في وَلاية الله، وهو ناصرُكم عليهم، وحافظُكم منهم، وهو خير الحافظين.
وما غُلب المسلمون في هذه الأيام وذهَبَت أرضُهم إلا لنهم تركوا الاهتداء بهدي دينهم، وتركوا الاستعدا المادّي والحربيّ الذي طلبه بقوله :﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ ﴾ [ الأنفال : ٦٠ ] وتفرَّقوا دولاً كثيرة فذهبتْ ريحُهم وقلّتْ هيبتُهم وغُلبوا على أمرهم.
نسأل الله تعالى ان يوفقنا جميعا الى ما يحبّه ويرضاه، ويجمع شتاتنا على الخير والهدى فنعود صفّاً واحدا، ونعيد مقدّساتنا إلى حظيرة الإسلام، إنه نعم المولى ونعم النصير.