العدوة : جانب الوادي ويجوز في العين الفتح والضم والكسر. القُصْوى : مؤنث الأقصى ومعناها البعيدة. البينة : الحجة الظاهرة. ذات الصدور : ما يدور في النفس من افكار.
اذكروا حين كنتم في موقعة بدر بالجانب الأقرب الى المدينة، وكفار قريش في أبعدِ الجانبين، والقافلةُ التي خرجتم تطلبونها أقربُ إليكم مما يلي البحر، ولو تواعدتُم على التلاقي للقتال لما اتّفقتم عليه، ولكن الله دبَّر تلاقيكم على غير موعد، لينفِّذ أمراً كان ثابتاً في علمه انه واقع لا محالة، وهو القتال المؤدي الى نصركم وهزيمتهم.
﴿ لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ﴾ ليهلك الهالكون من كفار قريش عن حجَّة ظاهرة، وهي هزيمة الكثرة الكافرة ويحيا المؤمنون من حجّة بينة، وهي نصر الله للقلة المؤمنة، إن الله لَسميع عليم لا يخفى عليه شيء من أقوال الفريقين ولا نيّاتهم.
قراءات :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو :« بالعِدوَة » بكسر العين والباقون بالضم.
اذكر أيها الرسول حين تفضّل الله عليك، فأراك في منامك جيشَ الأعداء في قلة. كان ذلك ليُظمئنكم أنكم ستغلبونهم، فتثبتوا أمام جمعهم حين يلتقون، ولو ترككم تروْنهم كثيراً، دون ان يثبتكم بهذه الرؤيا - لخِفتم منهم ولتردَّدتم في قتالهم. ولكن الله سلَّم أصحابك يا محمد من ذلك ونجّاهم من عواقبه، إنه عليم بما تخفيه الصدور من شعور الجبن والجزع الذي تضيق به فيُحجم اصحابها عن القتال.
اذكر ايها الرسول ايضا كيف كان الله يريكم أعداءكم قلّة عند التلاقي ليشد من عزمكم، وتقاتلوهم بجرأة وثبات، كما يُظهركم في اعينهم قلّة، زيادةً في الغرور بكثرتهم حتى قال ابو جهل : غنما أصحاب محمد أكلة جزور، يعني يكفيهم جزور واحد لقلّتهم. وذلك ليتم أمرٌ علمه الله، وكان لا بد ان يتم. والى الله ترجع الامور كلها فلا ينفُذُ الا ما قضاه وهيّأ أسباب بعدْله وحكمته.