فاذا انسلخ : اذا انقضت وانتهت. الاشهر الحرم : هي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم.. حرم الله فهي القتال احصروهم : حبسوهم امنعوهم من الخروج. المرصد : الموضع الذي يرقب فيه العدو. استجار : طلب الامان والحماية. أَجره أمنه. مأمنه : مسكنه الذي يأمن فيه إلاَّك جوارا او قرابة.
بعد تقريرا لحكم ببراءة الله ورسوله من المشركين، مع استثناء الذين لم ينقُصوا المسلمين شيئاً ولم يُظهروا عليهم أحداً - قفى على ذلك بذكر ما يجب ان يفعله المسلمون بعد انقضاء الأجل المضروب والامان الذي أُعطي لهم.
فاذا انقضت الأشهر الاربعة التي حرَّم الله فيها قتال المشركين، فافعلوا كل ما ترونه موافقاً للمصلحة من تدابير الحرب وشئونها.. اقتلوا الناقضين للعهد في كل مكان، وخُذوهم بالشدّة، واضربوا عليهم الحِصار بسدّ الطرق، واقعدوا لم في كل سبيل فإن تابوا عن الكفر، واسملوا والتزموا باحكام الاسلام - فلا سبيل لكم عليم، لدخولهم في دين الله. ان الله تعالى يغفر لهم ما سبق من الشرك والضلال، فهو واسع الرحة بعباده.
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله ﷺ قال :« أُمرتُ أن أقاتلَ الناس حتى يشهدوا أن لا اله الا الله، وان محمداً رسولُ الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عَصَمثوا منّي دماءَهم وأموالهم إلا بحق الاسلام، وحِسابُهم على الله ».
﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المشركين استجارك فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ﴾.
وان طلب منك الأمانَ أيها الرسول، أحدٌ من المشركين الذين أُمرتُم بقتالهم ليسمعَ دعوتك ويعلم ما أنزلَ الهُ، فأمِّنْه حتى يسمعَ كلام الله، فان دخل في الاسلام فهو منكم، وإن لم يدخل فأبلِغْه مسكنه الذي يأمن فيه. وهذا الأمر بتأمين المستجدِّ من هؤلاء الناس حتى يسمع كلام الله إنما تبريره أنه جاهل للاسلام، وأمثاله قوم لا يدرون ما الكتاب ولا الايمان.
﴿ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ الله وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الذين عَاهَدْتُمْ عِندَ المسجد الحرام فَمَا استقاموا لَكُمْ فاستقيموا لَهُمْ ﴾.
انتهى في الآيات السابقة من تقرير الاحكام النهائية بين المسلمين والمشركين في الجزيرة، فأخذ في الآيات اللاحقة يقرر انه لا ينبغي ان يكون للمشركين عهد عند الله وسوله : كيف يكون لهؤلاء الناقضين للعهود مرارا، عهدٌ محترم؟ لا تأخذوا ايها المسلمون بعهودهم الا لاذين عاهدتموهم منهم عند المسجد الحرام ( مثل بني كِنانة وبني ضمَرة ) لأنهم لم ينقضوا عهدهم الذي عاهدوا الرسول عليه يوم الحديبية، وهي قريبة من مكة، ولذلك قال تعالى : عند المسجد الحرام. فاستقيموا ايها المسلمون على عهد هؤلاء ما دااموا مستقيمين ﴿ إِنَّ الله يُحِبُّ المتقين ﴾ الذين يخشون نقض العهد، فلا يفعلونه.
﴿ كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ﴾.
كيف تحافظون على عهدوهم، وهم قوم إن تمكنوا لم يدّخروا جُهدا فيا لقضاء عليكم، غير مراعين جواراً ولا قرابة ولا عهدا.
ثم بين الله ما تنطوي عليه نواياهم من الضغينة فقال :
﴿ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وتأبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴾.
انهم يخدعونكم بكلامهم المعسول، وقلوبهم منطوية كراهيتكم، وأكثرُهم خارجون عن الحق ناقضون للعهد، فليس عندهم وفاء لكم ولا ود.