في هذه الآيات الكريمة، وهي في ختام سورة يونس، بين الله تعالى ان مدار سعادة البشَر على استعمال عقولهم في التمييز بين الخير والشر، وما على الرسول الا التبشير والإنذار وبيان الطريق المستقيم الوصِل الى السعادة وأن الدينَ مساعدٌ للعقل على حسن الاختيار إذا أحسنَ الانسانُ والتفكّر في امر الله.
﴿ قُلِ انظروا مَاذَا فِي السماوات والأرض وَمَا تُغْنِي الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾.
تدعو هذه الآية وكثير غيرها، الى العمل بالمشاهَدة والتأمل واستعمال العقل، كما تدعو الى العلمِ بالكون وما فيه لأنه مُسَخَّر للانسان، فإن ما في السماوات والأرض حافلٌ بالآيات ولكن الآيات والنذُرَ لا تفيد الّذين لا يؤمنون، لانهم لم يلقوا بالاً إليها ولم يتدبّروها.
﴿ فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ ﴾.
يقول الله تعالى لنبيه ﷺ محذِّراً من قومه : هل ينتظر هؤلاء المكذِّبون إى ان ينالهم من الأيام الشِداد مثلُ ما أصابَ الذين مضَوا من الأم السابقة!؟.
﴿ قُلْ فانتظروا إِنَّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين ﴾.
قل أيها النبي منذِرا ومهدّدا : إذا كنتم تنتظرون مثلَ ذلك، فانتظروا إنّي مكم من المنتظرين. وهذا تهديدٌ كبير من رب العالمين.
﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ المؤمنين ﴾.
ان سنَّتنا في رسُلنا مع أقوامهم الذين يبلّغونهم الدعوةَ، ان يؤمنَ بعضُهم فيما يصّر آخرون على الكفر. فننجّي رسلَنا والمؤمنين من العذاب ونهلك المكذّبين. هذا وعدق حقٌّ عليما لا نُخْلِفُه كما قال تعالى :﴿ سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً ﴾ [ الإسراء : ٧٧ ].
قراءات :
قرأ يعقوب :« ثم نُنْجى » بالتخفيف. والباقون بالتشديد « نُنَجِّي » وقرأ الكسائي ويعقوب وخفص :« ننج المؤمنين » باسكان النون الثانية وحذف الياء لالتقاء الساكنين، والباقون بالتشديد.
﴿ قُلْ ياأيها الناس إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله ولكن أَعْبُدُ الله الذي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المؤمنين ﴾.
في هذه الآية والتي بعدها أَمر الله بإعلان الدين الإسلامي، وإظهارِ الفارق بينه وبين ما عليه المشركون والمكذّبون من عبادة الأوثان.
قل أيها الناس جميعا : ان كنتم في شك من ان ديني الذي أدعوكم إليه هو الحقُّ، فان هذا لا يحوِّلني عن يَقيني، ولا يجعلين أعبدُ آلهتكم التي تعبُدونها من دونِ اله، فهو الّذي يملك أجسامكم وأعماركم، وقد أمرني أن أكونَ من المؤمنين به.
﴿ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين ﴾.
وأمُرتُ أن أُقيم وجهي للدين القيم واتوجّه الى الله وحدَه، وأن لا أدخُلَ في غِمار الذين أشركوا بالله، بل ابتعدَ عنهم أنا ومن اتّبعني من المؤمنين.
﴿ وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظالمين ﴾.
ولا تلجأُ بالدعاء الى غير الله مما لا يجلب لك نفعا، ولا ينزل بك ضررا، فانك ان فعلت ذلك كنتَ من الظالمين وهذا النهي الموجه للنبي ﷺ هو موجه لأمته.


الصفحة التالية
Icon