وهذا الامر وقع في الأُمم التي قبلَنا قديماً كما حكى الله تعالى عن قوم شعيب بقوله :﴿ وياقوم أَوْفُواْ المكيال والميزان بالقسط وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ ﴾.
وقال ﷺ لصحاب الكيل والميزان :« إنكم وُلِّيتم أمراً هلكتْ فيه الأمم السالفةُ قَبلكم ». ولا يزال ذلك يقع من كثي من ضعاف النفوس.
٨- ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فاعدلوا وَلَوْ كَانَ ذَا قربى ﴾ اذا قلتم قولاً في حكمٍ او شهادة او خير او نحو ذلك، فلا تميلوا عن العدل والصدق، دون مراعات لصِلة القرابة او المصاهرة او الجنس. فبالعدل والصدق تصلح شئون الأمم والافراد، فلا يحلُّ لأحد ان يحابي احداً لقرابة او غيرها ﴿ يَا أَيُّهَآ الذين آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بالقسط ﴾ و
٩- ﴿ وَبِعَهْدِ الله أَوْفُواْ ﴾ وأوفوا بعهد الله، فلا تنقُضوا عهده الذي أخذه عليكم بالكاليف، ولا العهودالتي تأخذونها بينكم، فيما يتلعق بالمصالح المشروعة ﴿ والموفون بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ ﴾. فمن آمن فقد عاهد الله حين الإيمان به ان يمتثل أوامره ونواهيه، وما شرعه لناس ووّصاهم به.
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمران ان النبي ﷺ قال :« أربعٌ من كنّ فيه كان مفاقاً خلاصا، ومن كانت فيه خصلة منها كانت فيه خصلة من النِفاق حتى يدَعَها : اذا حدَّث كذَب، واذا وعَد أخلف، واذا عاهد غدر، واذا خاصم فجر ».
﴿ ذلكم وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ ان ذلك الذي تلوتُه عليكم من الأوامر والنواهي وصاكم الله به رجاء ان يذكره بعضكم لبعض مثل قوله تعالى :﴿ وَتَوَاصَوْاْ بالحق وَتَوَاصَوْاْ بالصبر ﴾.
﴿ وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾.
وان هذا القرآن الذي ادعوكم اليه، وادعوكم به الى ما يحييكم، هو صراطي ومنهاجي الذي اسلكه الى مرضاة الله، لا يَضِلُّ سالكه، ولا يهتدي تاركه.
١٠- لا تتعبوا الطرق الباطلة المضلّة التي نهاكم الله عنها، حتى لا تتفرقوا شيعا واحزابا، وتبعدواعن صراط الله المستقيم، كما هو حاصلٌ اليوم. فنحن لنا في كل خِربةٍ دولةٌ ذات مجد!! هدانا الله وتجاوز عما نحن فهي من مخادعة!
اخرج الامام احمد والنسائي وابو الشيخ عن عبد الله بن مسعود قال :
« خطّ رسول الله خطاً بيده، ثم قالك سبيلُ الله مسقيما، ثم خط خطوكاً عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال : وهذِه السبُل ليس منها سبيل الا عليه شيطان يدعو اليه » ثم قرأ :﴿ وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتبعوه وَلاَ تَتَّبِعُواْ السبل فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ﴾.
وقد جعل الله تعالى المستقيم واحدا والسبلَ المخالفة متعددة، لأن الحق واحدٌ والباطل كثير. ولما كان اتباع الصراط المستقيم وعدم التفرق فيه يجمع الكلمة ويعز اهل الحق، كان التفرق فيه سبب الضَّعف وذلك التفرقين وضياع حقهم.