أسرِ بعبادي : سر بهم ليلا. اضرب لهم طريقا في البحر يَبَسا : افتح لهم طريقا يابسا لا ماء فيه. لا تخاف دَرْكا : لا تخاف ان يلحقك احد. دركا : لَحقا. فغضيهم من اليم ما غشيهم : فغمرهم من البحر ما علاهم. واضلّ فرعونُ قومه : صرفهم عن طريق الرشد والهداية. ولا تطغوا فيه : لا تأخذوه من غير حاجة اليه. هوى : سقط.
﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي... الآية ﴾.
لم يذكر في هذه السورة ما الذي حصل بعد مواجهة موسى لفرعون وقومه حيث آمن السحرة وبنو اسرائيل ( ولقد فصّل ذلك في سورة اخرى ) وانما انتقل الكلام هنا الى الهجرة والنصر الكبير الذي حصل عند عبور البحر وغرقِ فرعون وجنوده. ثم أتبع ذلك بتعدادِ نعمه على بني اسرائيل، وذكّره بأن يكونوا معتدلين فلا يأتوا أعمالاً توجب غضبه، وانه غفار لمن تاب وآمن.
وأوحى الله الى موسى ان يخرج ببني إسرائيل ليلا، وان يشقّ لهم طريقا في البحر، وطمأَنه ان لا يخاف من فرعون فإنه لن يدركهم.
وضرب موسى بعصاه البحر، فانشق شقَّين، كل جانب كأنه طودٌ عظيم كما جاء في سورة الشعراء ﴿ فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم ﴾، واجتازه موسى ومن معه.
وتبعهم فرعونُ وجنوده، ودخلوا الطريق نفسها فانطبق عليهم الماء، وغشيَهم من اليمّ ما غشيَهم، وغرقوا جميعا. هكذا اضل فرعون قومه عن الحق، وغرّر بهم فهلكوا.
ثم عدد الله نعمه عليهم فقال :
﴿ يابني إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ... ﴾.
لقد أنجيناكم من عدوّكم فرعونَ وجنودِهِ حين كانوا يسومونكم سوءَ العذاب، وقد أقرّ الله أعينكم بغرقِهم وأنتم تنظرون، كما قال تعالى :﴿ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ ﴾ [ البقرة : ٥٠ ].
﴿ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطور الأيمن ﴾.
وواعدناكم جانب الطور الأيمن بمناجاةِ موسى لربه وإنزال التوراة عليهم، ونَزَّل عليكم المنَّ والسلوى رزقاً طيباً من الحلو ولحم الطير الشهي. وقلْنا لكم : كلوا من تلك اللذائذ التي أنعمنا بها عليكم، ولا تطغوا فيه : لا تظلموا وتبطَروا فتركبوا المعاصي ولا تُسرفوا بل عيشوا في هذه النعم، حتى لا ينزل عليكم غضبي، ومن ينزل عليه فقد هلك.
وإني لذو مغفرة عظيمة لمن يتوب عن شِركه، ويقلع عن ذنبه، ويخلص في العمل، ويؤدي فرائضي. فهذه أربعة شروط كاملة تتحقق بها التوبة الحقيقية.
قراءات :
قرأ الجمهور : قد انجيناكم، وواعدناكم بنون الجمع. وقرأ حمزة والكسائي وخلف : قد أنجيتك من وواعدتكم، وقرأ الجمهور :« ما رزقناكم » بنونالجمع، وقرأ حمزة والكسائي وخلف :« ما رزقتكم » بتاء المفرد.
قرأ حمزة : لا تخف دركا. والقاون : لا تخاف دركا. وقرأ الكسائي : فيحلّ عليكم غضبي : بضم الحاء، ومن يحلل عليه غضبي : بضم اللام. والباقون : بالكسر فيحِل، ومن يحلِل عليه.