هذا ذِكر من معي : هذا القرآن الذي معي. وذِكر مَن قبلي : الكتب السابقة. لا يسبقونه بالقول : لا يتكلمون حتى يأمرهم. مشفقون : حذرون، خائفون.
أعاد الاستنكار مرةً أخرى لبشاعة ما يقولون، ولإظهار جهلهم فقال :
﴿ أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً.... ﴾.
بعد هذه الأدلّة التي ظهرت تقولون : إن لله شركاءَن فأين الدليل؟ هاتوا دليلكم على صحة ما تقولون. ان هذا القرآن قد جاءَ مذكّرا لأُمتي بما يجب عليها، هذه كتب الأنبياء التي جاءت لتذكر الأممَ من قبلي - كلّها تشهد على توحيد الله، وليس فيها ذِكر للشركاء الذين تزعمون.
ولما كانوا لا يجِدون لهم شُبهة فضلاً عن حجة، ذمَّهم الله على جهلهم بمواضع الحق فقال :
﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ الحق فَهُمْ مُّعْرِضُونَ ﴾.
بل أكثُر هؤلاء لا يميزون بين الحق والباطل، وهذا هو السبب في إعراضهم وتجافيهم عن سماع الحق.
ثم أكّد ما تقدّم من أدلة التوحيد فقال :
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون ﴾.
ان الرسلَ جميعاً أُرسلوا بالتوحيد، فهو قاعدة العقيدة منذ ان بعثَ الله الرسلَ للناس، لا تبديل فيه ولا تحويل، فأخلِصوا لله العبادة.
وبعد أن بين سبحانه بالدلائل القاطعة أنه منزّهٌ عن الشريك والشبيه، أردف ذلك ببراءته من اتخاذ الولد فقال :
﴿ وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ﴾.
وقال بعض مشركي العرب وهم بعض خُزاعة وجُهينة وبنو سَلَمة : ان الملائكة بناتُ الله، فردَّ الله عليهم بقوله : سبحانه، تنزَّه عن أن يكون له ولد، بل الملائكةُ الذين عنده هم عبادٌ مكرَّمون مقرَّبون.
﴿ لاَ يَسْبِقُونَهُ بالقول وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾.
لا يتكلّمون إلا بما يأمرهم به ربهم، ولا يخالفونه في ذلك ولا يتعدون حدود ما يأمرهم به.
ثم علّل سبحانه هذه الطاعة بعلمِهِم أن ربَّهم محيطٌ بهم، لا تخفى عليه خافية من أمرهم فقال :
﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾.
ان الله يعلم كل أحوالهم واعمالهم، وما قدّموه وما أخّروه، وهم لا يشفعون الا لمن رضي الله عنه، وهم من خوف الله والإشفاق من عقابه دائماً حذِرون.
﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إني إله مِّن دُونِهِ فذلك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظالمين ﴾.
ومن يقل من الملائكة إني إله، فذلك جزاؤه جهنم، ومثل هذا الجزاءِ نجزي كلَّ من يتجاوز حدود الله من الظالمين.
قال بعض المفسرين : عنى بهذا إبليسَ حيث ادَّعى الشرِكَة ودعا إلى عبادة نفسِه وكان من الملائكة، ولم يقلْ أحدٌ من الملائكة إني إله غيره.