وقد ثبت ان توزيع اليابس والماء على الأرض، ووجودَ سلاسل الجبال عليها - يحقق الوضع الذي عليه الأرض من التوازن، فالجبالُ ذات الجذور الممتدة في داخل القشرة الارضية الى اعماق كبيرة تتناسب مع ارتفاعها، فهي كأنّها أوتاد. وبهذا الترتيب تتوزع الأوزان على مختلف جوانب الكرة الارضية.
وهذه المعلومات معجزة في الآية ترشِد الى ان القرآن وحيٌ يوحى، لن احداً لم يكن يعلم عن هذه المعلومات شيئا في العصر الذي نزلت فيه.
ولما ارتفعت الجبال حدثت السهور والأودية والممرات بين الجبال وشواطىء البحار والمحيطات والهضاب، وكانت سُبلاً وطرقا. وهذا هو الدليل الرابع حيث يقول الله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾.
وجعلنا في الارض طرقاً بين جبالها يسلكها الناس من قُطر الى قطر ومن إقليم الى آخر، ليهدوا بذلك الى مصالحهم وأمورهم في هذه الحياة الدنيا.
الخامس :﴿ وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ﴾.
وجعلنا السماءَ فوقهم كالسقف المرفوع، وحفظناها من أن تقع كما في الآية الاخرى، ﴿ وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [ الحج : ٦٦ ]. او يقع ما فيها عليهم، وهم مع ذلك منصرفون عن النظر في آياتنا الدالَّ على قدرتنا وحكمتنا.
فالآية تقرر أن السمواتِ وما فيها من أجرام محفوظةُ بكيانها متماسكةٌ لا خلل فيها، وفق نظام بديع لا يتخلف ولا يتبدل. وقد جعل الله لهذه الأرض غلافاً جوياً يحفظها وتتبع الاشعاعات الضارة من أن تصل إليها، وجعل فوق الغلاف الجوي أجرام السماء على أبعاد مختلفة تحتفظ بنظام دورانها وكيانها منذ القدم وإلى ما شياء الله.
﴿ وَهُوَ الذي خَلَقَ الليل والنهار والشمس والقمر كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾.
والله خلق لكم الليلَ والنهار نعمةً منه عليكم فهما يختلفان عليكم لصلاح معايشكم وأمور دنياكم، وخلَقَ الأرض والشمس والقمر تجري في افلاكها، لكل جرم سماوي مدارُه الخاص يسبح فيه. وأجرام السماء كلها لا تعرض السكون، وتتحرك في مدارات خاصة.
بعد ذكر هذه الأدلة على وجود الخالق الواحد القادر، بيّن سبحانه وتعالى في كتابه للناسِ أن هذه الدنيا لم تُخلَق للخلود والدوام، وانما للابتلاء والامتحان، ولتكون وسيلةً الى الآخرة التي هي دار الخلود فقال :
﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخالدون ﴾.
وما جعلنا لأحدٍ من البشر قبلك ايها النبي الخلود في هذه الدنيا، فكل من على هذه الأرض ميت، كما قال تعالى ايضا :﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ ﴾ إفإنْ متَّ فهم يخلُدون في هذه الحياة!!.
نزلت هذه الآية لما تضايق كبراء قريش من الرسول الكريم فقالوا : نتربّص به الموتَ فنستريح منه.
ثم اكد الله الأمرَ وبيّن انه لا يَبقى أحد في هذه الدنيا فقال :
﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت وَنَبْلُوكُم بالشر والخير فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾.
كل نفس لا بد ان تذوق الموت، إنما نعاملكم في هذه الحياة معاملة المختبِر بما يصيبكم من شر او خير، ونعلم الشاكر للخير والصابر على البلاء.