رشده : هدايته. التماثيل : الاصنام. لها عاكفون : مواظبون على عبادتها. فطرهن : أوجدهن : لأكيدنَّ أصنامكم : لأدبرنّ لها تدبيرا يسوؤكم. جُذاذا : قطعا.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾.
لقد أعطينا إبراهيمَ النبوة والهداية الى التوحيد الخالص، من قبلِ موسى وهارون، وكنّا عالمين بفضائله التي تؤهله لحمل الرسالة.
كان ابراهيم من أهل « فدان آرام » بالعراق، وكان قومه أهلَ أوثان، وكان أبوه نجارا ينحت التماثيل ويبيعها لمن يعبدها من قومه، وقد أنا رالله قلب إبراهيم وهداه الى الرشد فعلم ان الأصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع.
﴿ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذه التماثيل التي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ؟ ﴾
اذكر أيها النبي حين استنكر إبراهيمُ عبادة الأصنام وقال لأبيه وقومه : ما هذه الاصنام التي تعبدونها وتظلون ملازمين لها؟
﴿ قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴾
لم يجدوا جواباً مقنعاً فلجأوا إلى التشبّت بالتقليد، لذلك قالوا : إننا نعبدها كما عَبَدها آباؤنا من قبل، فنحن مقلّدون لهم.
فكان ابراهيم معهم صريحا، واجابهم ببيان سوء ما يصنعون :
﴿ قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾.
لم يقنع ابراهيم بجوابهم هذا، وقال لهم إنكم أنتم وآباؤكم في ضلال واضح بعبادتكم لهذه التماثيل التي لا تنفع ولا تضر.
فأجابوه إجابة مستفهِمٍ متعجّب مما يمسع ويرى :
﴿ قالوا أَجِئْتَنَا بالحق أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين؟ ﴾.
لمّا سمعوا ما في كلام ابراهيم مما يدل على تحقير آلهتهم، استبعدوا ان يكون جادّاً فيما يقول، فقالوا : هل ما تقوله هو الحق، أم أنت هازل من اللاعبين!؟.
عند ذاك ردّ عليهم ببيان الحق وذكر الإله الذي يستحق العبادة.
﴿ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض الذي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ على ذلكم مِّنَ الشاهدين ﴾.
قال : جئتكم بالحق لا باللعب. ثم بيّن لهم ان الإله المستحق للعبادة هو ربُّ السموات والأرض الذي خلق كل شيء، فمن حق هذا الإله وحده أن يُعبد، وانا على ما اقول لكم من الشاهدين.
وبعد ان أقام البرهان على إثبات الحق نوى الشر في نفسه لهذه الآلهة التي جمدوا على عبادتها، ولم تُفدْهم موعظةٌ ولا برهان عن الغواية بها، فأقسَمَ في نفسه ان يُلحق الأذى بها فقال :
﴿ وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴾.
أقسَم ابراهيم بالله انه سيكيد الأصنامَ بأن يكسرها بعد ذهابهم من معبدهم. وأقبل عليها فكسرها جميعا الا الكبير فتركه. وقد اراد بهذه الطريقة ان يُفْهم القومَ مركز آلهتهم، ويقيم الحجة عليهم في أن تلك الاصنام لا تنفع ولا تضر. فها هي لم تستطع ان تردّ الأذى عن نفسها.
أما تركُ ابراهيم كبيرها قائماً فذلك لكي يسألوه اذا كان يجيب او يتكلم.
قراءات
قرأ الكسائي : جذاذاً بكسر الجيم. والباقون : جذاذا بضم الجيم.
﴿ قَالُواْ مَن فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾.
وعاد القوم الى معبدهم فرأوا أصنامهم مكسَّرة قطعا، إلا كبيرهمن فقالوا : من الذي اعتدى على آلهتنا ففعل بها هذا العمل المنكر!؟ إنها لَجُرأة عظيمة وانه لمن الظالمين. قال بعضهم : سمعنا شاباً يذكرهم بالشتم والتحقير يدعى إبراهيم.