وهذا نداءٌ آخرُ من بعض أصحاب الأعراف لبعض المستبِرين الّين كانوا يعتزون في الدنيا بِغِناهم وقوتهم، ويحتقرون ضعفاءَ المؤمنين لفقرِهم وضعف عصبيتهم. لقد كانوا يزعمون ان من أغناه الله وجعلَه قويّاً في الدينا فهو الذي كيون له نعيمُ الآخرة. فيقولون لهم الآن : ما أفادَكُم حمعُكم الكثيرُ العدد، ولا استكبارُكم على أهل الحق بسبب عصبيتّكم وغناكم!! ها أنتم أذِلاّءُ ترون حالهم وحالكم.
ثم وجّه إليهم سؤال توبيخٍ وتأنيب :
﴿ أهؤلاء الذين أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ؟ ﴾.
أهولاء الذين حلفتم في الدنيا أن رحمة الله لن تنالهم! ها هم قد دخلوا الجنة، وكانوا من الفائزين.
﴿ ادخلوا الجنة لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ﴾.
قال الله تعالى لأصحاب الاعراف بعد أن طال وقوفُهم، وهم ينظرون إلى الفريقين : ادخُلوا الجنةَ لا خوف عليكم من أمر مستقبلكم، ولا أنتم تحزنون عن أمرٍ فاتكم.
وقد تكلم العلماء في هذا المقام كثيرا، وتعدّدت الآراء فبعضهم قال إن رجال الأعراف ملائكة، وبعضهم قال إنهم الانبياء، او عدول الأُمم الشهداءُ على الناس، او أهل الفترة، او هم الّذين تساوت حسناتُهم وسيئاتهم الى غير لك من الأقوال.
والذي يجب أن نقفَ عنده هو ان هناك حجاباً بين الجنة، والنار، اللهُ أعلمُ بحقيقته، لأنه في عالم الآخرة. والمقصودُ ان ذلك الحجاب يحجِز بين الفريقين، لكنّه لا يمنع من وصول الأصوات وان هناك مكاناً له صفةُ الامتياز والعلوّ، فيه رجال لهم من المكانة ما يجعلهم مشرِفين على هؤلاءِ وهم ينادون كلّ فريقٍ بما يناسبه.. يحيُّون أهل الجنة، ويبِكّتُون أهل النار. ثم إن أصحاب هذا الحجاب يدخلون الجنة برحمة من الله وفضله.