تضرعا : تذلّلا، ويقال تضرع له، إذا اظهر الذل في مَعِرض السؤال. خفية : سرا ضد العلانية. لا يجب المعتدي : المتجاوزين الحدود، ومعنى لا يحبُّهم أنه لا يجازيهم بالثواب.
بد ان ذكر سبحانه وتعالى الأدلة على توحيد الربوبية، امر بتوحيد الألوهية أي إفراده تعالى بالعبادة.
اذا كان الله قد أنشأ الكونَ وحده، فاعدوه متضرّعين مبتهِلين، جهراً وغير جهر. والدعاء خفية أفضلُ، لما روى أبو موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال : كنا مع النبي ﷺ في سفَر فجعل الناس يجِدُّون بالتكبير فقال رسول الله :« أيها الناس، اربَعوا على أنفسِكم، فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبا. إنكم سَميعاً قريباً وهو معكم » رواه مسلم ومعنى اربَعوا على انفسكم : ارفقوا بأنفسكم.
وفي الحديث ايضا « خيرُ الذِكر الخَفِي، وخير الرزق ما يكفي » رواه احمد وابن حبان وابو يعلى عن سعد بن ابي وقّاص رضي الله عنه.
وفصّل بعض العلماء فقال : ان التضرُّع بالجهر المعتدِل يحسُن في حال الخَلوة، والأمنِ من رؤية الناس للداعي وسماعهم لصوته. أما الدعاء خفيةً فيحسُن في حال اجتماع الناس في المساجد وغيرها إلى ما ورد في رفعُ الصوت من الجميع كالتلبيةِ في الحج وتكبير العيدين.
﴿ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين ﴾.
لا تعتدوا بإشراك غيره معه في الدعاء او بظلم أحدٍ من الناس، فان الله لا يحب ذلك.
﴿ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ﴾.
ولا تفسِدوا في الأرض بإشاعة المعاصي والعدوان، بعد أن أصلحها الله بما خلق فيها من المنافع وما هدى الناس اليه من الاستغلال.
والإفساد هنا شامل لإفساد العقول والعقائد والآداب الشخصية، والاجتماعية من جميع وجوهها.
وبد ان بيّن في الآية الأولى كيفيّةَ الدعاءِ أعاد الأمر به في الآية الثانية. وذلك إيذاناً بانَّ من لا يعرف أنه محتاج إلى رحمة ربه، ولا يدعو ربه تضرّعاً وخفية - يكون أقربَ الى الإفساد منه الى الاصلاح فقال :
﴿ وادعوه خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾ ادعوه سبحانه خائفين من عقابه، طامعين في ثوابه. ثم إنه بيّن فائدة الدعاء وعلّل سبب طلبه فقال :﴿ إِنَّ رَحْمَةَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين ﴾، إن رحمته قريبة من كل محسِن، وهي أكيدةٌ محققة. والجزاء من جنس العلم، فمن أحسن في عبادته نال حُسن الثواب، ومن احسن في الدعاء نال خيراً مما طلب وقريب ( فعيل ) يوصف بها المذكر والمؤنث.