ثمود : قبيلة من العرب مساكنهم الحِجر في شمال الحجاز جهةَ الشام، وهي « مداينُ صالح » وأُخوة صالح لقومه : أُخوتُه في النسب البينة : المعجزة الظاهرة الدلالة. اذكروا : تذكّروا بوأكم في الارض : انزلكم فيها. الارض : هي الحِجر : النحت : نجر الشيء الصلب والحفر فيه، وكانت بيوتهم منحوتةً في الجبل قطعةً واحدة، ولا يزال بقية منها الى الآن. لا تعثوا في الأرض : لا تفسدوا. استكبروا : تكبروا. عقروا الناقة : نحروها، وعادةُ العرب في نحر الابل ان يقطعوا قوائكها فتقع على الأرض فينحروها عتَوا : تمردوا. الرجفة : الهزة تقع في الارض، والزلزلة. في دارهم : في بلدهم جاثمين : قاعدين بلا حرااك.
وهذه قصة اخرى من قصص الأنبياء مع أقوامهم، هي قصة صالح عليه السلام ومفادها :
لقد أرسلنا الى ثمود اخاهم صالحاً الذي يشاركهم في النسَب والوطن، وكانت دعوته كدعوة الرسُل قبله. قال لهم : أخلِصوا العبادة لله وحده، مالكم إله غيره، قد جاءتكم حجةٌ وبرهان على صدق ما أقول، وحقيقةِ ما أدعو اليه. هذه ناقةٌ ذات خَلق خاص، فيها الحُجة وهي ناقةُ الله، فاتركوها تأكل مما تُنبته أرض الله من العشب لا تتعرّضوا لها ولا تنالوها بسوء، فإذا فعلتم أخذكم شديد.
وفي سورة الشعراء تفسير أوضحُ قَسَم الماءَ الموجود في البلدة بين قومه وبين الناقة « هذه ناقةٌ لها شرْبٌ ولكن شرب يومٍ معلوم ».
ثم ذكّرهم بنعم الله عليهم، وبوجوب شكرها بعبادته تعالى وحده فقال :
﴿ واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ ﴾.
تذكّروا أن الله جعلكم وارثين لأرض عادٍ، وأنزلكم منازل طيبةً في أرضهم، فصرتُم تتّخذون من السهول قصوراً فخمة، وتنحتون في الجبال بيوتاً حصينة. اذكروا نعم الله تعالى اذا مكّنكم في الأرض ذلك التمكين، ولا تيعيثوا فيها مفسدين.
وعلى ذلك أجاب أهلُ الصدارة، والزعامة، مخاطبين الذين آمنوا من المستضَعفِين متهكّمين عليهم : أتعتقدون أن صالحاً مرسَلٌ من ربّه؟ فأجابهم اهل الحق : نحن مصدّقون بما أُرسِل به صالح.
قراءات :
قرأ ابن عامر :« وقال الملأ » بالواو.
﴿ قَالَ الذين استكبروا إِنَّابالذي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾.
فردّ عليهم المستكبرون : إنا جاحِدون ومنكِرون لِلّذي آمنتم وصدّقتم به من نبوّة صالح هذه.
ثم لجّ العناد بأولئك المستكبرين، فتحدَّوا الله ورسوله، وذبحوا الناقة وتمرّدوا وتجاوزوا الحقدّ في استكبارهم، وقالوا متحدِّين : يا صالح، ائتِنا بالعذاب الذي وعدْتَنا « إن كنتَ من المرسَلين » عندئذ « فاخذتهم » الرّجْفة « أي دمّرتهم الزلازل الشديدة، ومن ثمّ » فأصبَحوا في دراهم جاثِمين « باتوا مصعوقِين جُثثاً هامدة لا حَراك بها، واصبحت ديارهم خاوِية على عروشِها الى الآن.
روى الامام احمد والحاكم عن جابر قال : لما مر رسول الله ﷺ بالحِجر في غزوة تبوك - قال لا تسألوا الآياتِ، فقد سألها قومُ صالح، فكانت الناقةُ تَرِدُ من هذا الفَجّ، وتصدُرُ من هذا الفَجّ، فَعَتَوا عن أمر ربهم، فعقَروها وكانت تشرب ماءهم يوماً، ويشربون لَبَنَها يوما، فعقروها، فأخذتهم صحيةٌ أحمدَ اللهُ مَن تحت أديمِ السماءِ منهم.